إخوة يوسف على إلقائه في البئر ، وهم يمكرون به ، أي يدبّرون شيئا به وبأبيه ، وإنما ذلك من تعليم الله تعالى له.
علما بأنه ليس أكثر الناس بمصدّقين بدعوتك ورسالتك يا محمد ، ولو كنت حريصا على إيمانهم ، لتصميمهم على الكفر وعنادهم. وما تسأل منكري نبوّتك يا محمد على تبليغ الرسالة ونصحهم ودعوتهم إلى الخير والرّشد أجرا ولا عوضا ، وإنما تفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله وإفادة خلقه ، فما عليهم بعد هذا البيان إلا قبول دعوتك ، فإن هذا القرآن الذي أرسلك به ربّك هو محض تذكير وموعظة لكل العالمين من الجنّ والإنس.
والسبب في أن أكثر الناس ليسوا بمؤمنين : أنهم في غفلة عن التفكّر في الآيات الكونية والدلائل الدّالة على وجود الله الصانع وتوحيده ، وكمال علمه وقدرته ، في أنحاء السماوات والأرض من الكواكب والنجوم ، والجبال والسهول ، والبحار والنباتات والأشجار ، والأحياء والأموات ، يمرون على تلك الآيات والدلائل ويشاهدها أكثرهم ، وهم غافلون عنها ، لا يتفكرون بما فيها من عبر وعظات ، وكلها تشهد بوجود الله ووحدانيته.
وما يكاد يؤمن أو يصدّق أكثر المشركين بوجود الله إلا وهم ملازمون للشّرك ، عاكفون على عبادة الأصنام والأوثان. هذه الآية نزلت بسبب قول قريش في الطّواف والتّلبية : لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك. فأنذرهم الله بقوله : أفأمن هؤلاء المشركون بالله أن تأتيهم عقوبة تغشاهم وتشملهم ، أو يأتيهم يوم القيامة فجأة ، وهم لا يحسّون أو لا يشعرون بذلك. وهذا كما في آية أخرى فيها إنذار وتوبيخ وتهديد : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ