الله خالقهما وربّهما ومدبّرهما ، وهو الإله الواحد فيهما لا ندّ له ولا شريك ولا نظير.
ثم أمر الله رسوله أن يقول للمشركين بعد هذا التقرير وإثبات ألوهية الله ووحدانيته : فلم اتّخذتم لأنفسكم من دون الله معبودات جوفاء هي جمادات ، لا حركة فيها ولا عقل ولا وعي ، ولا تفعل شيئا ، ولا تمنع شيئا؟ ومع ذلك تجعلونها أنصارا؟!
وإذا كانت تلك الآلهة لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرّا ، فهي لا تملك لعابديها بطريق الأولى نفعا ولا ضرّا. فهل يستوي من عبد هذه الآلهة المزيفة مع الله الخالق القادر ، ومن عبد الله وحده لا شريك له ، فهو على نور من ربّه ، وهو البصير المتفتح على الأشياء ، المدرك حقائق الأمور. وأما من عبد غير الله فهو أعمى القلب والبصيرة ، فاقد العقل والوعي ، وهو في ظلمات يتخبّط ، وفي متاهات يدور.
وكيف يتساوى الأعمى الذي لا يبصر شيئا ، والبصير الذي يدرك الحق ، ويهدي الأعمى إليه ، وهل يعقل أن تتساوى الظلمات الدامسة العمياء ، والنّور الأبلج الواضح ، وما مثل الكافر إلا كالأعمى والكفر كالظّلمات ، وأما مثل المؤمن فهو كالبصير المدرك ، والإيمان كالنّور المبين الذي يضيء الآفاق ودروب الحياة.
ثم قال تعالى : (أَمْ جَعَلُوا) أي بل جعل هؤلاء المشركون مع الله آلهة تناظر الرّبّ وتماثله في الخلق ، فيتشابه خلق الشركاء بخلق الله ، وهذا محض الباطل ، ومجرد الوهم القاتم ، فإن معبودات المشركين إذا زعموا أنها تخلق شيئا ، وهم يعبدونها ، فإنهم ضالّون مخطئون ، إنهم لا يخلقون شيئا ، وهم يخلقون ، فكيف يشركونها في العبادة؟ أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون. هل رأوا خلقا لغير الله ، فحملهم ذلك ودعاهم اشتباهه بما خلق الله ، على أن جعلوا إلها غير الله؟!