افتتحت هذه السورة بالحروف المقطعة كسورة البقرة وأمثالها للتّنبيه والتّحدي وتذكير العرب بأن هذا القرآن كلام من عند الله ، بدليل أنه مكوّن من حروف لغتهم ومادة كلامهم ، وهم عاجزون عن الإتيان بمثله.
والقرآن كتاب كريم أنزله الله رب العالمين ، على رسوله الأمين ، لإخراج الناس من ظلمات الضلال والجهل إلى نور الإيمان الحق والهدى والرشاد ، بتوفيق الله وتيسيره وإذنه ، وبواسطة الداعية والمبلّغ له ، وهو النّبي صلىاللهعليهوسلم ، يبلّغ شريعة الله ، ويرشد إلى الطريق القويم ، طريق الله القوي الغالب القاهر المدرك ، المحمود في جميع أفعاله وأقواله ، وشرعه وخبره.
فحقيقة الهداية : إنما هي راجعة لله بالاختراع والإيجاد ، والرسول مشارك في التوجيه والإنذار والدعوة إلى سبيل الهداية. وقوله سبحانه عن نبيّه (لِتُخْرِجَ النَّاسَ) تشريف للنّبي صلىاللهعليهوسلم. وعم (النَّاسَ) إذ هو مبعوث إلى جميع الخلق والعالم كله ، فبعثته عامة للأحمر والأسود ، كما ثبت بالتواتر وبآيات كثيرة من القرآن ، وبما شاهده الصحابة وآل البيت الكرام.
وكلمة (الظُّلُماتِ) استعارة للكفر ، وكلمة (النُّورِ) استعارة للإيمان وطريق طاعة الله ورحمته ، على سبيل التشبيه والمماثلة. وكلمة (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بعلمه وقضائه وتمكينه لهم.
وإنزال القرآن من عند الله العزيز الحميد ، وهما صفتان لائقتان في هذا الموضع ، للدلالة على قدرة الله ، واستيجاب الحمد على نعمة الإنزال على العالم كله ، في هدايتهم ، ومن أدلة القدرة الإلهية : أنه سبحانه له كل ما في السماوات والأرض خلقا وملكا وعبيدا وتصريفا وتدبيرا ، وويل ، أي هلاك وعذاب شديد يوم القيامة للكافرين برسالتك أيها النّبي ، الذين جحدوا بوحدانية الله. وهذا وعيد وإنذار وتهديد.