الضيوف يبيّتون شرّا ، كما جاء في قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) [هود : ١١ / ٧٠].
فأجابوه بقولهم : (لا تَوْجَلْ) أي لا تخف ، إنا نبشّرك بغلام عليم ، أي أتينا لبشارتك بميلاد غلام ذي علم وفطنة وفهم لدين الله ؛ لأنه سيكون نبيّا ، وهو إسحاق عليهالسلام ، وذلك بعد مولد إسماعيل بمدة ، وقول إبراهيم : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) [إبراهيم : ١٤ / ٣٩].
أجاب إبراهيم متعجّبا مستبعدا من مجيء ولد حال كبره وكبر زوجته ، ومتحقّقا من الوعد : أبشّرتموني بذلك بعد أن أصابني الكبر ، فبأي أعجوبة تبشّرون أو تبشّرونني ، فذلك غير متصوّر في العادة ، وليس ذلك نفيا لقدرة الله تعالى في خلق العجائب.
فأجابه الملائكة مؤكّدين بشارتهم : (قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ) أي إننا بشّرناك بما هو حقّ ثابت ، فأبشر بما بشّرت به ، ودع غير ذلك ، فهو صنع الله ، ووعده الذي لا يتخلف ، فلا تكن من القانطين اليائسين ، فالذي أوجد الإنسان من التراب من غير أب ولا أم ، قادر على إيجاد الإنسان من أي شيء أراد ، كأبوين عجوزين.
ردّ إبراهيم عليهالسلام مؤكّدا إيمانه بقدرة الله تعالى وأنه ليس قانطا يائسا ، فإنه يعلم من قدرة الله ورحمته ما هو أبلغ من ذلك ، ولا يقنط ولا ييأس من رحمة الله إلا القوم الضّالون ، أي المخطئون طريق الصواب. والقنوط : أتم اليأس.
هذه القصة تعلّمنا أدب الضيف ، وأسلوبه في الأخبار ، وزفّ البشرى ، وأن الله قادر على كل شيء ، فهو الخالق القادر على تمكين الزوجين من الإنجاب ، حتى في سنّ الكبر وفي الوقت غير المعتاد.