الْمُبِينُ (٨٩))أي قل يا محمد للناس : إني منذر ومخوف من عذاب أليم شديد الوجع ، أنذر كل من كذّب برسالتي وأعرض عن دعوتي ، وتمادى في غيّه وضلاله ، حتى لا يتعرّض لانتقام وتعذيب من الله كما فعل بالأمم المتقدمة.
وحدّد الرسول صلىاللهعليهوسلم جهة الإنذار وعيّن المنذرين ، وهم أهل الكتاب الذين فرّقوا دينهم ، واقتسموا القرآن إلى أجزاء ، فآمنوا ببعضه الموافق للتوراة والإنجيل ، وكفروا ببعضه المخالف لهما ، فاقتسموه إلى حقّ وباطل ، وهم أيضا القرشيّون الذين اقتسموا طرق مكة ، يصدّون الناس عن الإيمان برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعددهم حوالي أربعين ، أو ستة عشر رجلا ، بعثهم الوليد بن المغيرة أيام موسم الحج ، فاقتسموا طرق مكة يقولون لمن يسلكها : لا تغتروا بالخارج منّا ، والمدّعي للنّبوة ، فإنه مجنون ، وكانوا ينفّرون الناس عنه واصفين إياه : بأنه ساحر ، أو كاهن ، أو شاعر ، فأنزل الله تعالى بهم خزيا ، فماتوا شرّ ميتة ، هؤلاء الفريقان : الكتابيّون والقرشيّون هم الذين جعلوا القرآن عضين ، أي أجزاء متفرّقة ، آمنوا ببعض وكفروا ببعض. وجعلوا القرآن سحرا وشعرا وكهانة ، أي صيّروه بألسنتهم ودعواهم.
وكان جزاؤهم وعيدا محضا ، يأخذ الله كل أحد منهم بحسب جرمه وعصيانه ، يسألهم الله سؤال توبيخ وتأنيب عن أقوالهم وأعمالهم ، ويجازيهم على أفعالهم الجزاء التّام. فالكافر يسأل عن (لا إله إلا الله) وعن الرّسل ، وعن كفره وقصده. وكذلك يسأل المؤمن العاصي عن تضييع القرآن ، ويسأل الإمام عن رعيّته ، وكل مكلف عما كلّف القيام به ، فيكون الضمير في قوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢)) ضميرا عامّا يشمل جميع الناس المؤمنين والكافرين ، كلّ بحسب جرمه وعمله. ويكون الإنذار أيضا لجميع الناس ، سواء من اقتسم الكتاب الإلهي وجزّأه ، فآمن ببعضه وكفر بالبعض الآخر ، ومن ضيّع القرآن ، فأخذ ببعضه وترك البعض الآخر.