فإن الله تعالى هو إلهكم جميعا أيها الناس ، وهو إله واحد ، لا إله إلا هو ، وهو المعبود الذي يستحق العبادة والطاعة بحق ، ولا شريك له ولا ندّ ولا نظير ، والإله يوم القيامة واحد أيضا. وفي هذا توعّد ، فالذين لا يؤمنون بالآخرة وينكرون وجودها ، ولا يؤمنون بوحدانية الله ، قلوبهم منكرة لتوحيد الله ، وهم مستكبرون عن رفض معتقدهم فيها ، وترك طريقة آبائهم في عبادتها ، وهم يجمعون بين التكذيب بالله تعالى وبالبعث ، لأن من صدّق بالبعث من القبور ، فمحال أن يكذّب بالله تبارك وتعالى.
وختم الله هذه الآيات التي تسفّه عقول المشركين وتوبّخهم على شركهم بتهديد ووعيد على أعمالهم ، فقال الله : (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) أي حقا ؛ إن ربك القدير العليم يعلم ما يسرّ هؤلاء المشركون وغيرهم وما يعلنون ، ويعلم إصرارهم على كفرهم ، وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء ، إنه سبحانه يمقت ويجازي المستكبرين عن التوحيد ، بل وكل مستكبر ، إنه يعاقبهم ويجازيهم على أعمالهم ، وقوله سبحانه : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) وعيد عام في الكافرين والمؤمنين ، يأخذ كل واحد منهم بقسطه. جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن ابن مسعود : «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من كبر.»
صفات المستكبرين
إن كل من يتنكر لعبادة الله جل جلاله ، ويعرض عنها هو ممن اتصف بالاستكبار والغرور ، والحماقة والجهل ، وشأن المستكبرين البعد عن دائرة الحق والخروج عن دواعي المنطق والعقل ، والاسترسال في الغواية والأهواء ، ومصادمة الحقائق ، ولو تأمل المستكبرون من كفّار مكة وأمثالهم حقيقة القرآن ، وترفعوا عن