ويكون الشاهد الأصلي هو من الأمة نفسها في اللسان والسيرة وفهم الأغراض والإشارات ، حتى يتحقق الهدف المقصود ، فلا يتمكن من ذلك من كان غريبا عن الأمة ، فلذلك لم يبعث الله نبيا قطّ إلا من الأمة المبعوث إليهم.
ثم يكون النبي محمد صلىاللهعليهوسلم شاهدا على الأنبياء والأمم ، تأكيدا لشهادة الأنبياء ، ولأن نبينا حكم عدل في القضاء بين الأمم وأنبيائها ، من طريق الأخبار الواردة في القرآن بأن كل نبي بلّغ أمته رسالة الله وتكاليفه. ويؤيد هذا المعنى آية أخرى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة : ٢ / ١٤٣].
ويرى أكثر المفسرين أن قوله تعالى : (وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) يراد بهؤلاء : الأمة التي أرسل لها نبينا صلىاللهعليهوسلم ، والقصد من هذه الشهادة : أنه أزاح عنهم علتهم فيما كلّفوا به ، وهو ما جاءهم به من عند الله ، فلم يبق لهم حجة ولا معذرة ، ودل على ذلك تتمة الآية : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ ..) أي : نزّلنا على التدرج عليك أيها الرسول هذا القرآن ، تبيانا واضحا لكل شيء من العلوم والمعارف الدينية والإنسانية ، مما يحتاج إليه الناس في حياتهم ، وهدى للضالين ، ورحمة لمن صدّق به ، وبشرى لمن أسلم وجهه لله ، فأطاعه وأناب إليه ، بشرى بجنان الخلد والثواب العظيم.
فالقرآن الكريم شفاء لما في الصدور ، ودواء ناجع لكل أمر صغير وكبير ، وفيه حكم كل شيء مما نحتاج إليه في الشرع ، ولا بد منه في الملة ، كالحلال والحرام ، والدعاء إلى الله ، والتخويف من عذابه ، كما جاء في قوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٦ / ٣٨].
وتبيان كل شيء في القرآن ، إما نصا على حكمه صراحة ، وإما إحالة على السنة النبوية ، حيث أمر الله باتباع رسوله وطاعته ، في قوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ