أنكرت العرب ذلك ، أو من أنكر ذلك منهم ، فقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ، فأنزل الله : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) الآية ، وأنزل : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) [يوسف : ١٢ / ١٠٩] فلما كرر الله عليهم الحجج قالوا : وإذا كان بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٤٣ / ٣١] يكون أشرف من محمد ، يعنون الوليد بن المغيرة من مكة ، ومسعود بن عمرو الثقفي من الطائف. فأنزل الله ردا عليهم : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) [الزخرف : ٤٣ / ٣٢].
ابتدأ الله تعالى هذه السورة (سورة يونس) بقوله (الر) كابتداء البقرة ب (الم (١)) والقصد من هذه الحروف المقطعة التنبيه إلى ما يتلى بعدها ليعتني المرء بفهم ما يسمع أو يقرأ ، وتعديد الحروف على طريق تحدي العرب بأن يأتوا بشيء من مثل هذه السورة أو بغيرها من القرآن ، وحيث إنهم عجزوا ، دل ذلك على أن القرآن كلام الله تعالى. تلك آيات القرآن المحكم ، أو ذات الحكمة لاشتماله عليها ، أو تلك آيات السورة الحكيمة ، التي أحكمها الله وبيّنها لعباده ، وقوله تعالى : (تِلْكَ) بمعنى (هذه). و (الْكِتابِ) المراد به القرآن ، وهو الأظهر.
وقوله تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) يراد به الإنكار على من تعجب من الكفار على إرسال المرسلين من البشر ، أي عجيب أمر بعض الناس الذين ينكرون إيحاءنا إلى رجل من جنسهم من البشر ، قال ابن عباس : لما بعث الله تعالى محمدا صلىاللهعليهوسلم رسولا ، أنكرت العرب ذلك ، أو من أنكر منهم ، فقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد ، فأنزل الله عزوجل : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً).
هذا التعجب في غير محله ، لأن كل الرسل من البشر ، من جنس المرسل إليهم ليكون ذلك أدعى إلى قبول دعوتهم والتفاهم معهم.