الله عليهم وكفرهم بها ، قائلا : ربّنا آتيت فرعون وأشراف قومه من الدنيا والنعمة ما أبطرهم ، وهو الزينة الشاملة من حلي ولباس وأثاث ورياش وأموال كثيرة ومتاع الدنيا ونحوها من الزروع والأنعام ، وأدى التّرف والنعيم بهم أن تكون عاقبة أمرهم إضلال عبادك عن الدين ، والطغيان في الأرض ، والإسراف في الأمور كلها.
واللام في قوله تعالى : (رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) تسمى لام العاقبة والصيرورة ، أي إن النعمة آلت بهم وصارت إلى الضّلال والانحراف ، مثل اللام في قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ) (١) (آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) والمعنى : آتيتهم تلك النّعم ، فصار أمرهم إلى كذا ، وكان عاقبة قوم فرعون من النّعم هو الضّلال والكفر وتأليه فرعون.
(رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) أي ربّنا أمحق وأزل آثار أموالهم وأهلكها ، واختم على قلوبهم واجعلها قاسية ، حتى لا تنشرح للإيمان ، فيستحقّوا شديد العقاب ، ولا يؤمنوا حتى يشاهدوا العذاب المؤلم الشديد الإيلام. وجعل موسى في دعائه رؤية العذاب نهاية وغاية ، وذلك لعلمه من قبل الله تعالى أن المؤمن عند رؤية العذاب لا ينفعه إيمانه في ذلك الوقت ولا يخرجه من كفره ، وكان دعاء موسى مشتملا على عقابين : مادي ومعنوي. أما المادي فهو تدمير أموالهم وإهلاكها. وأما المعنوي : فهو الطبع والختم على قلوب قوم فرعون بالكفر ومنع نفاذ الخير إليها.
ثم أجاب الله هذه الدعوة في فرعون نفسه وقومه معه ، بالغرق ، وروي عن ابن جريج ومحمد بن علي والضّحاك : أن الدعوة لم تظهر إجابتها إلا بعد أربعين سنة ، وحينئذ كان أمر الغرق. وروي أيضا أن هارون كان يؤمّن على دعاء موسى عليهالسلام ؛ فلذلك نسب الدعاء إليهما.
لقد أجيبت دعوتكما يا موسى وهارون ، وقبلنا دعاءكما كما سألتما من تدمير آل
__________________
(١) أي الطفل موسى في التّابوت.