سبحانه ، وترك كل ما سواه ، والبعد عن أي توجّه ذات اليمين أو ذات الشمال ، كما جاء في آية أخرى : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩)) [الأنعام : ٦ / ٧٩]. فمن توجه بقلبه أو مال إلى غير الله في عبادة أو دعاء ، فهو عابد غير الله تعالى.
ولم يقتصر القرآن الكريم على الأمر بعبادة الله وحده ، وإنما نهى عن عبادة ما سواه ، ومضمون النّهي : لا تدع ولا تعبد أيها الرسول أحدا سوى الله ، متجاوزا الله تعالى إلى غيره ، متّجها إلى ما لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة إن دعوته ، ولا يضرّك أصلا إن تركت دعاءه.
فإن فعلت هذا على سبيل الافتراض والمبالغة وعبدت غير الله ودعوته ، كنت من الظالمين نفسك ، والظالم : الذي يضع الشيء في غير محلّه. ولا ظلم أكبر ولا أشد من الشّرك بالله تعالى ، ومن الظلم : وضع العبادة في غير موضعها.
ثم أخبر الله تعالى أن الحول والقوة لله ، بدليل ما يحسّ به الناس من أنفسهم ، وليس لأحد غير الله قدرة على نفع ولا ضرّ. فإن تتعرض أيها النّبي وكل إنسان لضرر في جسمك كالمرض والألم أو مالك كالفقر والتّلف ، فلا كاشف ولا رافع له إلا الله ، وإن يردك أو يخصك الله بخير منه في الدين والدنيا من نصر ورخاء ونعمة وعافية ، فلا دافع لفضل الله إلا الله ، لأنه لا رادّ لقضائه ولا معقّب لحكمه ، ولا مانع لفضله أحد ، يصيب بالخير من يشاء ، وهو سبحانه الغفور لمن تاب إليه ، الرحيم بعباده. والضّرّ لفظ جامع لكل ما يكرهه الإنسان ، سواء كان ذلك في المال أو في البدن. وهذه الآية تظهر فساد حال الأصنام ، وإن كان كل مميز يعرف يقينا أنها لا تكشف ضرّا ولا تجلب نفعا.