الحق وأذعن له ، وصدّق بالقرآن ورسول الله ، فإنما يهتدي لنفسه ويسعى لها ، أي يعود نفع عمله وثواب اهتدائه واتّباعه على ذاته ، ويجد خير رشده في مصيره وآخرته ؛ لأنه يوجب لها رحمة الله ويدفع عذابه.
ومن ضلّ ، أي حاد عن طريق الحق ، ولم ينظر بعين الحقيقة ، وحاد عن منهج الله ، وكفر بربّه عزوجل ، فإنما يضلّ على نفسه ، أي يرجع وبال عمله عليه. والدنيا مزرعة الآخرة ، فمن زرع نباتا حسنا استفاد منه ، ومن زرع نباتا سيّئا ، حصد منه الشّر والضّرر.
ثم يؤكد القرآن عنصر الإرادة والاختيار وترك الإجبار في قوله تعالى لرسوله : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) أي وما أنا بموكل بكم من عند الله بأموركم حتى أجعلكم مؤمنين ، وأكرهكم أو أجبركم على الإيمان ، وإنما أنا نذير منذر لكم عذاب الله لمن أعرض وكذب ، وبشير أيضا ، أي مبشّر من اهتدى ، والهداية على الله تعالى.
والرسول مجرّد مبلّغ وحي ربّه ، لا يأتي بشيء من عند نفسه ، لذا تعدد الأمر القرآني لرسوله بأن يعلن أنه ما عليه إلا البلاغ ، وأنه مأمور بالتبليغ ، وهنا قال الله له : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ ..) أي اتّبع يا محمد ما أنزل الله عليك ، وأوحاه إليك عن طريق جبريل ، وتمسّك به أشدّ التّمسّك ، واصبر على دعوتك وأذى قومك ومخالفة من خالفك من الناس المعاندين والمستكبرين ، حتى يحكم الله ، أي يقضي بالفصل بينك وبينهم ، أي المكذّبين من قومك ، فينصرك الله عليهم ويحقق لك الغلبة ، وهو خير الحاكمين ، أي أعدل الحكام وأحكمهم ، يقضي بالعدل التام والحكمة الصحيحة ، والواقع الحقيقي. وقد أنجز الله وعده لنبيّه صلىاللهعليهوسلم ، فنصره مع الجند المؤمنين ، على تكتّلات المشركين العرب ومؤامراتهم ، واستخلف الله أهل الإيمان في الأرض ، وجعلهم الأئمة الوارثين.