أن آلهتهم تشفع لهم عند الله ، وإنما الشفاعة لمن أذن له الرحمن ورضي له قولا. (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) أي الموصوف بتلك الصفات المقتضية للألوهية والربوبية من الخلق والتقدير والحكمة والتدبير والتصرف في الشفاعة : وغيرها وهو ربكم المتولي شؤونكم ، لا غيره ، إذ لا يشاركه أحد في شيء من ذلك.
(فَاعْبُدُوهُ) أي فأفردوه بالعبادة وحده لا شريك له : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي أفلا تتفكرون أدنى تفكر في أمركم أيها المشركون ، فتتوصلون إلى أن الله وحده هو المستحق للربوبية والعبادة ، لا ما تعبدونه من الآلهة ، وأنتم تقرون بوجود الله وتفرده بالخلق ، كما في قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٤٣ / ٨٧]. ومع إيمان العرب بوحدة الربوبية ، كما تدل هذه الآية وغيرها ، إلا أنهم كانوا يشركون معه غيره في الألوهية ، وهذا ضلال يستدعي التصحيح والرجوع عنه.
ثم أثبت الله تعالى أصلا آخر من أصول الإيمان بعد إثبات التوحيد في العبادة والدعاء ، وهو البعث والجزاء ، فيخبر الله تعالى أن إليه وحده مرجع الخلائق يوم القيامة ، بعد الموت ، لا يترك أحدا منكم أبدا ، ووعد الله بإيجاد المعاد في الآخرة وعدا حقا ثابتا لا خلف فيه ولا نقص.
والدليل على البعث أنه تعالى كما بدأ الخلق وأنشأه حين التكوين ، كذلك يعيده في النشأة الأخرى ، والإعادة في ميزان الإنسان أهون من البدء ، وهما سواء بالنسبة لله سبحانه ، قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٣٠ / ٢٧].
وفائدة المعاد واضحة هي أن يجزي الله الذين آمنوا بالله ورسله وما أنزل إليهم ، وعملوا الأعمال الطيبة الصالحة ، بالعدل في رحمتهم وحسن جزائهم ، فهو الجزاء الأوفى ، حيث يعطي كل عامل ما يستحقه من الثواب. والجزاء بالعدل لا يمنع