بها ، ووعد ووعيد منجز ، ومعان عالية ، وتشريع بأمر ونهي لا يبلغون مستواه. وأن الله واحد لا شريك له ، فهل أنتم أيها البشر منقادون خاضعون لأمر الله وحكمه ، وهل أنتم أيها المسلمون مخلصون في تدينكم وعبادتكم لله؟
من أراد الدّنيا ومن أراد الآخرة
وازن القرآن المجيد بين جزاء من قصد العمل للدنيا وحدها ، من جاه ولباس ، وزينة وأثاث ، وثروة ومال ، وطعام وشراب ، وبين من قصد بعمله تعمير الآخرة وبناء مستقبل الخلود. الأول يجازى بعمله وثمرة جهده ، فيعيش بمشيئة الله مترفا منعما بالصحة والسيادة والرزق الوفير وكثرة الأولاد ، وطالب الآخرة يحظى بنعيم الخلود وتأتيه الدنيا مع ذلك صاغرة منقادة له. وما أجمل هذه المقارنة في القرآن بين عامل الدنيا وعامل الآخرة ، فقال الله تعالى :
(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧)) (١) (٢) (٣) [هود : ١١ / ١٥ ـ ١٧].
إن سبب معارضة المشركين وتكذيبهم بالقرآن هو الهوى والشهوة ، ومحض الحسد والرغبة في حظوظ الدنيا ، لذا قارن الله بين قاصد الدنيا وقاصد الآخرة. أما قاصد الدنيا : فهو من كانت إرادته متجهة لحبّ الدنيا وزينتها ومتاعها ، وكان يريد بأعماله
__________________
(١) أي لا ينقصون شيئا من أجورهم.
(٢) أي فسد وبطل ولم ينتفعوا به.
(٣) شكّ من وعيد النار.