واختلف في الخبط المضاف إلى الشيطان فقال أبو علي : هذا تمثيل بحال من تغلب عليه السوداء فتضعف نفسه ، ويلح عليه الشيطان بالإغواء ، فيقع صرعه في تلك الحال من الله تعالى ، أو من فعل المصروع ، ونسب إلى الشيطان مجازا ؛ لأن الصرع يحصل عند وسوسته.
وقال الزمخشري : تخبط الشيطان من زعمات العرب ، والخبط : +
+الضرب على غير استواء ، فورد على ما كانوا يعتقدون ، قال : ومن زعماتهم أن الجن تمسه فيختلط عقله ، قال : ولهم في الجن قصص وعجائب ، إنكار ذلك عندهم كإنكار المشاهدات.
وقال أبو بكر الإخشيد ، وأبو الهذيل (١) : يجوز أن يكون الصرع من فعل الشيطان ، بأن يمكنه الله تعالى من ذلك في بعض الناس دون بعض ، قالا : لأنه ظاهر القرآن ، ولا مانع في العقل منه ، وصحح الحاكم الأول.
قال : لأنه لا يقدر على غير الوسوسة ، ولذلك حكى الله تعالى عنه : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) [إبراهيم : ٢٢] ولو قدر على ذلك تخبط جميع المؤمنين مع شدة عداوته لهم ، ولكان يقدر على اغتصاب أموالهم ، وفساد أحوالهم ، وإفشاء أسرارهم ، وإفساد عقولهم ، ولكانوا يزيلون عقول العلماء والأولياء ، وهذا ظاهر الفساد ، على أن المروي أن فيهم من الضعف ما لا يقدرون على شيء من ذلك.
__________________
(١) محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول البغدادي ، أبو الهذيل العلاف شيخ البصرة ، من المعتزلة ، سمي بالعلاف لأن داره بالبصرة عند سوق العلف ، ولد سنة ١٣١ ه أخذ الكلام عن حميد الطويل ، وعثمان عن واصل ، وروى الحديث عن محمد بن طلحة ، وأخذ عنه الكلام أبو يعقوب الشحام ، وليس بذاك في الرواية ، قال ابن خلكان : له مجالس ومناظرات ، وهو من موالي عبد القيس ، حسن الجدل ، قوي الحجة ، كثير الاستعمال للأدلة الالتزامية ، قال الحاكم : أسلم على يده سبعة آلاف نفس ، توفي بسر من رأى سنة ٢٣٥ ه على الأصح ، وقيل غير ذلك.