وأما دلالتها على عدم نقصانها من مهر المثل ، فقد قال بعض المفسرين : إن قوله تعالى : (إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) أن ذلك مهر المثل ، وقد قال أبو حنيفة (١) : إن للأولياء الاعتراض عليها ومنعها إن رضيت بأقل من مهر المثل ؛ لأنه ليس من المعروف. وقوى ذلك إمام المذاكرين محمد بن سليمان بن أبي الرجال (٢) ، قال : لأن في ذلك غضاضة (٣) على الأولياء أن تزوج نفسها باليسير ، وعادة أهلها يعقدون بالكثير ، والذي حصله أبو طالب للمذهب ، وهو قول الشافعي ، وأبي يوسف ، ومحمد : أن لها ذلك من غير اعتراض للأولياء ، كبيع سلعتها باليسير (٤).
وقوله تعالى : (ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) استدل بعض الحنفية بهذا على أن الكافر غير مخاطب بالشرائع ، ورد بأن قيل : المعنى تخصيصهم بالذكر لأنهم أهل الانتفاع ، أو لأنهم أحق
__________________
(١) في بعض النسخ (وقد قال أبو حنيفة بهذا : إن للأولياء).
(٢) هو : محمد بن سليمان بن محمد بن أحمد بن أبي الرجال ، الصعدي الفقيه العلامة ، أحد المذاكرين المجتهدين أخذ عن الفقيه يحي البحيبح ، عاصر الإمام يحي ، ولما وصلت دعوة الإمام يحي إلى صعدة ، قام خطيبا وحث الناس على طاعة الإمام يحي ، وقال : والله ما أعلم من علي عليهالسلام إلى الآن أعلم منه ، وله مؤلفات منها : الروضة ، وكان يحفظ اللمع غيبا ، وكان زاهدا ورعا ، قال الفقيه يوسف : اطلع بعض تلامذته الفقيه محمد عليهالسلام حاله وأهله ، فوجدهم في شدة وانقطاع ، فرفع أمرهم إلى صاحب الدولة ، فأرسل إليه بحمل من الطعام ، وطرح على باب داره أياما ، وهو يقول : معاذ الله من ذلك ، ورد الجمال الطعام إلى الأمير ، وله أخوة كلهم علماء ، وسماه السيد صارم الدين إمام المذاكرين ، توفي سنة ٧٣٠ ه وقبره عند جبانة صعدة.
(٣) وقواه في البحر ، وكذا عن القاضي عامر.
(٤) وكلو أبرأت منه. ذكر معناه في البحر. (ح / ص).