قال الحاكم : هذا فيمن هتك ستر نفسه ، وقد قال أيضا في السفينة ، والفقيه الشهيد (١) : تجوز غيبة الفاسق المجاهر لقوله عليهالسلام : «من ألقي جلباب الحياء فلا غيبة له دون المتستر».
قال الحاكم : وقيل : إنها نزلت في أبي بكر ، وذلك أن رجلا شتمه فكرر عليه مرارا ثم رد عليه ، وكان ذلك بحضرة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلما رد أبو بكر قام رسول الله فقال أبو بكر : شتمني وأنت جالس ، فلما رددت عليه قمت ، فقال : «إن ملكا كان يجيب عنك ، فلما رددت عليه ذهب الملك ، وجاء الشيطان ، فلم أجلس عند مجيء الشيطان».
وسئل المرتضى عن هذه الآية؟ فقال : لا يحب الله ذلك ، ولا يجيزه لفاعله.
(إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) وذلك مثل ما كان من مردة قريش ، وفعلهم بأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من العقاب والضرب ، ليشتموا رسول الله ويتبرءوا منه ، وفعل عمار ذلك فخلوه ، وصلبوا صاحبه فأطلق لمن فعل به هكذا أن يتكلم بما ليس في قلبه ، وفي عمار وصاحبه نزل قول الله تعالى في سورة النحل : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) [النحل : ١٠٦] فكانت هذه الآية مبينة لما في قلب عمار من شحنه بالإيمان (٢) ، وقد أفادت الآية حكمين :
الأول : جواز الجهر بالدعاء على الظالم ، والجهر بمساوئه.
قال الحاكم : وإنما يكون ذلك إذا كان غير متستر.
ودلت على أن من جهر بكلمة الكفر مكرها لم يكفر ؛ لأنه مظلوم ،
__________________
(١) هو الفقيه العلامة الشهيد حميد بن أحمد المحلي رحمهالله ، وقد تقدمت ترجمته.
(٢) إشارة إلى الخبر المشهور في عمار رضي الله عنه.