قال سيّد قطب : والّذين يفسدون أشنع الفساد ، ويقولون : إنّهم مصلحون ، كثيرون جدّا في كلّ زمان. يقولونها ، لأنّ الموازين مختلّة في أيديهم ، ومتى اختلّ ميزان الإخلاص والتجرّد في النفس ، اختلّت سائر الموازين والقيم. والّذين لا يخلصون سريرتهم لله يتعذّر أن يشعروا بفساد أعمالهم ، لأنّ ميزان الخير والشرّ والصلاح والفساد في نفوسهم يتأرجح مع الأهواء الذاتيّة ، ولا يثوب إلى قاعدة ربّانيّة.
ومن ثمّ يجيء التعقيب الحاسم والتقرير الصادق : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ)(١).
قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا)
[٢ / ٤٠٤] أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) قال : إذا ركبوا معصية الله فقيل لهم : لا تفعلوا كذا وكذا ، قالوا : إنّما نحن على الهدى مصلحون (٢).
[٢ / ٤٠٥] وأخرج عن الربيع بن أنس في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) ، قال : لا تعصوا في الأرض. قال : فكان فسادهم على أنفسهم ذلك معصية الله ـ جلّ ثناؤه ـ لأنّ من عصى الله في الأرض ، أو أمر بمعصيته ، فقد أفسد في الأرض ، لأنّ إصلاح الأرض والسماء بالطاعة (٣).
[٢ / ٤٠٦] وقال مقاتل بن سليمان في قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) يعني لا تعملوا في الأرض بالمعاصي (٤).
[٢ / ٤٠٧] وقال الطبرسي في قوله : (لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) : بعمل المعاصي وصدّ الناس عن الإيمان ـ على ما روي عن ابن عبّاس (٥).
[٢ / ٤٠٨] وقال : وفي وجه آخر (لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بممالأة الكفّار ، فإنّ فيه توهين الإسلام ـ على ما قاله أبو عليّ (٦).
__________________
(١) في ظلال القرآن ١ : ٤٩.
(٢) الدرّ ١ : ٧٧ ؛ الطبري ١ : ١٨٤ / ٢٨٩.
(٣) الطبري ١ : ١٨٢ / ٢٨٧ ؛ ابن كثير ١ : ٥٢ ، نقلا عن الرّبيع بن أنس وعن أبي العالية وقتادة وفيه «صلاح» بدل «إصلاح».
(٤) تفسير مقاتل ١ : ٩٠.
(٥) مجمع البيان ١ : ١٠٤.
(٦) المصدر.