(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ).
والتحدّي هنا عجيب ، والجزم بعدم إمكانه أعجب! ولو كان في الطاقة تكذيبه ما توانوا عنه لحظة. وما من شكّ أنّ تقرير القرآن الكريم أنّهم لن يفعلوه ، وتحقّق هذا العجز على صفحة التاريخ كما قرّره القرآن ، هو بذاته معجزة باهرة لا موضع للمماراة فيها. وهذه هي كلمة الفصل التاريخيّة الخالدة.
ومن ثمّ كان المراء فيها بعد هذا الوضوح ، لا ينشأ إلّا عن جهالة مقيتة أو غرض خبيث ، فكان موضعا لمثل هذا التهديد المخيف : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ).
يعني : فإذ قد أمكنتكم الجهالات والأحقاد ، الجحود والمماراة ، فلتسعكم التحرّز عن العقوبات الّتي تنتظركم ، وهي من أشدّ العقوبات. وهي النار الّتي تلتهم الحجر الصلد ، فكيف بذوي الأجسام النحاف!!
وفي الجمع بين الحجارة والناس هنا دقيقة ظريفة : إذ الّذي يجحد البرهان اللائح ، إنّما هو في صورة إنسان ، ولكنّه في واقعه حجارة خشناء. فليكن إلى جنبها في الابتعاد عن إدراك الفضائل والمكرمات.
وكذا في التعبير بقوله : (مِنْ مِثْلِهِ) إشارة إلى أنّ النبيّ محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم لو فصل عن مقام رسالته وجحدت نبوّته ، لأصبح عربيّا متجرّدا عائشا في أحضان الجاهليّة الجرداء. على غرار سائر العرب لا شأن لهم في ميادين الحضارة الراقية ، ولا عهد بالعلوم والمعارف السامية. فشأنه ـ والحال هذه ـ شأن أمثاله العرب العرباء.
إذن فكان يمكنهم أن يأتوا برجل منهم يكافئ محمّدا في مثل حديثه.
وإذ لم يأتوا ـ ولن يأتوا ـ فليعلموا أنّما أنزل بعلم الله (١) ، لا يد لأيّ إنسان عائش على الأرض في نظم مثل هذا التأليف الأنيق الفخيم ، والمعجز الخارق القويم.
***
وفي مقابل ذلك المشهد المفزع ، يعرض المشهد المشرّف ، مشهد النعيم الّذي ينتظر أصحاب الإيمان.
__________________
(١) من الآية ١٣ من سورة هود.