وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ)(١).
فهذا الكون أرضه مفروشة لهذا الإنسان ، وسماؤه مبنيّة بنظام ، معينة بالماء الّذي تخرج به الثمرات رزقا للإنسان. وهذا الانسجام والتوائم لممّا يدلّ بوضوح على وحدة الخالق المتعالي ، وبالأحرى أن يكون متفرّدا في العبوديّة واللجوء إليه في جميع الحوائج.
(فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
وأنتم تعلمون أنّه لا ندّ له ، لا نظير له يعارضه ، ولا شريك له يساعده ، فالشرك به بعد هذا العلم تصرّف لا يليق ، بل هو ظلم عظيم.
والندّ : المثل ، إمّا نظير معارض ، أو شريك مساعد.
[٢ / ٥٦٦] وفي الحديث : «قال رجل للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما شاء الله وشئت! فقال له النبيّ : جعلتني لله ندّا؟ ما شاء الله وحده!» (٢)
***
ولقد كان اليهود يشكّكون في صحّة رسالة نبيّ الإسلام ، وكان المنافقون يساندونهم ويثيرون الريب فيها ، كما ارتاب المشركون وشكّكوا من قبل. فهنا يأتي القرآن ليتحدّى الجميع ؛ إذ جاء الخطاب عامّا إلى الناس جميعا. يتحدّاهم بتجربة واقعيّة تفصل في الأمر وتفصم مادّة النزاع.
(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
وهذا التحدّي ظلّ قائما في حياة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعدها ، وما يزال قائما مرّ الأجيال. وهو حجّة قائمة في كلّ وقت ، لا سبيل إلى المماحكة فيها. وما يزال القرآن متميّزا من كلّ كلام يقوله البشر تمييزا واضحا قاطعا. وسيظلّ كذلك مع الأبد. سيظلّ كذلك معجزة خالدة ، وتصديقا لقوله تعالى المعجز بنفس التعبير :
__________________
(١) الأنبياء ٢٢ : ٣٠. راجع مباحثنا عن دور الماء في الحياة ، عند الكلام عن الإعجاز العلمي للقرآن ، في الجزء السادس من التمهيد : ٣٥ ـ ٤٦.
(٢) أخرجه السيوطي في الدرّ المنثور ١ : ٨٨ عن عدّة مصادر بألفاظ مختلفة ومتقاربة كما يأتي واللفظ هنا لأبي نعيم في الحلية ٤ : ٩٩ في ترجمة يزيد بن الأصمّ (٢٥٢).