وثالثة عن مستقبل واقع ، وليكون شاهدا على صدق النبوّة عبر الأيّام. منها القريبة ومنها البعيدة كما في آية التحدّي بوجه عامّ : (... وَلَنْ تَفْعَلُوا ...)(١). (... لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ...)(٢).
وعن القريبة ما توعّده الله بشأن أناس عارضوا الإسلام ، فجاء النبأ بخزيهم في نهاية المطاف. هذا أبو لهب طالما كايد الإسلام ، فنزل القرآن بأن سوف يموت ذلّا وتمسّه النار : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ. سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ. وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)(٣). كان ذا ثروة طائلة. لكنّه مات كافرا في ذلّ وهوان ولفظته نار جحيم. وفي ذلك دليل على صدق الرسالة.
وهكذا ورد بشأن الوليد بن المغيرة : (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ)(٤). وبشأن أبي جهل وغيرهما. ما ينبؤك عن صراحة القرآن وصرامته في إخباره عن الغيب الآتي.
وكذلك آيات العصمة وأنّ الدعوة سوف تنتصر وتزدهر وتظهر على الدين كلّه ولو كره المشركون المنافسون. (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)(٥).
كما وعده الله بالنصر والغلبة ، وأنّه حين خرج من مكّة مهاجرا ، وعده الله بالعودة ظافرا : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ)(٦).
وآية غلبة الروم. حيث كانت المعارك دامية بين الروم والفرس أيّام الملك «خسرو پرويز» وكانت الحروب مستمرّة من سنة ٦٠٣ م إلى سنة ٦٢٧. وكانت الكفّة راجحة مع الفرس حتّى عام ٦٢٢ وهو عام الهجرة. وبعده انقلب الأمر ودارت الدائرة على الفرس فجاءتهم الهزيمة عام ٦٢٨. أي بعد الهجرة بخمس سنوات (٧).
***
الوجه السابع : القول بالصرفة. ارتآه بعض السلف ومشى على أثرهم بعض الخلف.
ويتلخّص هذا المذهب في القول بأنّ الآية والمعجزة في القرآن إنّما هي لجهة صرف الناس
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٤.
(٢) الإسراء ١٧ : ٨٨.
(٣) سورة المسد.
(٤) المدّثر ٧٤ : ٢٦.
(٥) القمر ٥٤ : ٤٥.
(٦) القصص ٢٨ : ٨٥.
(٧) راجع : تاريخ إيران لحسن پيرنيا : ٢٢٢ ـ ٢٢٧ ؛ والتمهيد ٦ : ١٨٥ ـ ٢١٠.