الله العالم بخبايا الوجود : (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(١).
نعم إنّها رشحات فاضت من عرض بيانه ، جاءت عظيمة وفخيمة كلّما تقدّمت ركب الحضارة وتألّق نجم العلم على آفاق الوجود. فإنّ القرآن يسبق الإنسان بخطوات واسعة الأرجاء ، ولا يكاد الإنسان يلحق أذياله ، مهما جدّ في المسير.
وهذا يعني أنّها شذرات بدرت من طيّ كلامه تعالى ، شأن كلّ متكلّم كان قد أحاط بكلّ شيء علما وإن لم تكن مقصودة ذاتا وفي صميم المعنى والمرام.
وقد شرحنا هذا المعنى في مباحثنا عن الإعجاز العلمي للقرآن في الجزء السادس من التمهيد.
***
الوجه السادس : أنباء غيبيّة جاءت في القرآن صريحة وقويمة ، لم تكن باستطاعة البشر أن يعلمها كما نطق به القرآن جازما جادّا في الإفادة والبيان.
وأنباء الغيب في القرآن ـ المتحدّى بها ـ قد تكون عن ماض غابر. كان مشوّها غامضا علته هالة من الإبهام والإجمال. فقصّة القرآن نقيّا زاهيا ، رافعا كلّ إبهام ومبيّنا موارد الإجمال. الأمر الّذي لم يكن يعرفه أحد لحدّ الآن. (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا)(٢).
وأخرى عن حاضر خاتل دبّرته دسائس أهل النفاق والخديعة في حوالك الظلام ، فكشفته آية الوحي وفضحت مواضعهم الخبيثة في وضح الصباح.
والآيات بشأن فضح دسائس المنافقين ومكائدهم ضدّ المسلمين كثير في القرآن ، وفي سورة براءة منه الشيء الكثير :
(وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) ـ إلى قوله ـ : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ)(٣).
__________________
(١) الفرقان ٢٥ : ٦.
(٢) هود ١١ : ٤٩.
(٣) التوبة ٩ : ٩٩ ـ ١٠١.