وهذا معنى إسجاد الملائكة له ، وهم القوى العاملة تعمل في صالح الحياة : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ...). كناية عن خضوع كافّة القوى العاملة ، في صالح الإنسان. تجاه القوى المعارضة المضادّة لمصالحه (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ). فقد كانت جنود إبليس تعمل في مضادّة مصالح الإنسان وإفساد الحياة عليه. فكان عليه أن يكافحهم مبلغ جهده في الحياة.
ومن ثمّ فالإنسان في هذه الحياة يمتلك قدرة جبّارة على التسخير والمكافحة معا ، فلا يتهاون في هذا ولا يتكاسل عن ذاك. وليكن على نشاط دائم في عمارة الأرض وازدهار الحياة ، وفي كفاح ونضال مع المرديات.
هذا جانب من وصف الإنسان حسبما عرضه القرآن ، ولعلّه أجمل وصف وأكمله بشأن الإنسان وحياته هذه الحاضرة ، وهي تمهيد للحياة الأخرى الباقية. ولم تشهد البشريّة وصفا أدقّ ممّا وصفه القرآن ، ولم يسجّل التاريخ وصفا جامعا ووافيا بشأن هذه الحياة ممّا ذكره القرآن. كما لم يأت من بعد وصف ولا ذكر كهكذا وصف جميل دقيق. هذا بشأن الإنسان وهذه الحياة قبل الحياة الأخرى.
وهكذا أوصاف جاءت في القرآن بشأن المبدأ والمعاد ، والحديث عن سرّ الوجود وحكمة الحياة ، وغير ذلك من معارف كان يتطلّبها الإنسان منذ أن وضع قدمه على عرصة الوجود. فوجدها في تعاليم القرآن ومحكمات آياته الكريمة. وإذ لم يتأتّ لاي متفكّر جاء بعد ، أن يأتي بمثل هذا الجمال في الوصف عن الحياة. اللهمّ سوى اقتباسات من نصوص الوحي الرشيدة. فكان أكبر دليل على إعجاز هذا الكتاب الخالد مع الأبد.
وفيما سطّرناه في باب الإعجاز التشريعى للقرآن من «التمهيد» ، تبيين أكثر. مهما كان ضئيلا في جنب عظمة القرآن المجيد.
***
الوجه الخامس : إشارات علميّة ، جاءت عابرة ، تكشف عن أسرار مودعة في كمون الطبيعة ، لم تكن تعرفها البشرية لحدّ ذاك اليوم ، وإنّما كشف عنها العلوم في ظلّ تجارب عنيفة كابدها الإنسان في آماد وأحقاب ولا يزال.
فالإشارة إليها في لسان الوحي المبين ، تنمّ عن إحاطة واسعة حظي بها صاحب الكلام ، وهو