الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً)(١). كناية عن صلاحيّة هذا الإنسان لحمل هذا العبء الثقيل ، ممّا يعجز عن حمله سائر الموجودات. أي لا تصلح لهذا الشأن الخطير. نعم كان الإنسان من ذي قبل ظلوما لنفسه حيث موضع جهله بقدره ومنزلته في عالم الوجود.
هذا الإنسان بهذه المقدرة الجبّارة ، كان موضع مباهاة لله في خليقته ، حيث بارك نفسه في خلقه. إذ خلقه بيديه (٢) ونفخ فيه من روحه ليجعله مثله الأعلى في السمات والصفات.
(ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ)(٣). (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)(٤). فكان الإنسان ذا خلقة أخرى غير سائر الخلق ، وخلقته الأخرى هي نفخ روحه تعالى فيه ، ليكون من جنسه وسنخه ، متناسبا مع الملكوت الأعلى. ومن ثمّ هذا التبجيل والتكريم وتفضيله على كثير ممّن خلقهم الله :
(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً)(٥).
نعم أودعه تعالى العقل وقدرة التدبير ، وأردفه بالقدرة على النطق والبيان : (خَلَقَ الْإِنْسانَ. عَلَّمَهُ الْبَيانَ)(٦). وهي فضيلة لا يوازيها فضيلة.
كما علّمه الأسماء كلّها وأودع فيه القدرة على معرفة حقائق الأشياء والوقوف على سماتها واستنباط آثارها ، ليستخدمها في مآربه ولازدهار معالم الحياة على الأرض.
(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها)(٧) أي ركّز في فطرته القدرة على معرفتها حيثما حاول وشاء.
ومن ثمّ سخّر له ما في الكون من أعلى طبقات السماء فإلى أسفل الأرضين.
(وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ)(٨). أي جعلكم بحيث تستطيعون تسخيرها في معالم الحياة.
__________________
(١) الأحزاب ٣٣ : ٧٢.
(٢) (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ...) سورة ص ٣٨ : ٧٥.
(٣) السجدة ٣٢ : ٩.
(٤) المؤمنون ٢٣ : ١٤.
(٥) الإسراء ١٧ : ٧٠.
(٦) الرحمان ٥٥ : ٣ ـ ٤.
(٧) البقرة ٢ : ٣١.
(٨) الجاثية ٤٥ : ١٣.