الوجه الرابع : جانب اشتماله على معارف سامية وتعاليم راقية ، أتحف بها البشريّة جمعاء ، وكانت تجهلها أو كانت معرفتها عن ذلك ناقصة ومبعثرة ، فجاءت في تعاليم القرآن وافية شافية ، وكاملة جامعة. الأمر الّذي أبهر وأعجب ، وهكذا أذعنت البشريّة برفعتها وسمّوها عمّا كانت تعرفها من ذي قبل ، وكانت تتطلّبها حسبما جاءت في القرآن ، وكانت شفاء لما في الصدور.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)(١).
كان الإنسان لم يزل يحاول التعرّف على أمور تمسّ بحياته على الأرض ، ليعرف عن نفسه أوّلا من هو؟ وما هو؟. ثمّ هو من أين؟ وإلى أين؟ وأيضا ما هو سرّ الوجود والسبب الباعث على الخليقة؟. وإلى أمثالها من أسئلة تجوش في نفسه يحاول العثور على إجابة صحيحة عليها تقنعه فيستريح إليها.
هذا والقرآن ـ في برامجه عن الحياة ـ قد أتى بالأجوبة الكاملة الكافلة لبيان سرّ الوجود. ولا سيّما الحكمة في خلق الإنسان ، الّذي هو بدوره الغاية القصوى للوجود كلّه. كما جاء في الحديث القدسى : «يا ابن آدم ، خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي» (٢).
وفي القرآن وصف كامل عن الإنسان ، في أصل وجوده والسرّ المستسرّ وراء خلقه ، وأنّه الغاية من الخلق والمهيمن على سائر الخليقة ، وكونه المثل الأعلى للصانع الحكيم.
قال تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)(٣). والخلافة هنا هي المظهريّة الأجلى لذاته تعالى في صفاته الجمال والجلال. ليكون هذه الإنسان خلّاقا مبدعا تتجلّى على يديه أسرار الكون وخبايا الوجود. وأوكله عمارة الأرض وإحياء معالمها : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها)(٤).
وقد أودعه تعالى أمانته (العقل والقدرة على التفكير والانتاج) الّتي أشفق من تحمّلها سائر الخلق : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا
__________________
(١) يونس ١٠ : ٥٧ ـ ٥٨.
(٢) علم اليقين ـ للفيض الكاشاني ١ : ٣٨١ ؛ مشارق أنوار اليقين ـ للبرسي : ٦٧.
(٣) بقرة ٢ : ٣٠.
(٤) هود ١١ : ٦١.