بالإقرار بربوبيّته ، في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ...)(١). العهد الثاني عهد خصّ به النبيّين أن يبلّغوا الرسالة ويقيموا الدّين ولا يتفرّقوا ، في قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ ...)(٢). العهد الثالث عهد خصّ به العلماء من أهل الكتاب ، في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ)(٣). (٤).
نعم كان عهد الله المعقود مع البشر يتمثّل في عهود كثيرة : إنّه عهد الفطرة المركوزة في جبلّة كلّ إنسان منذ أن نشأ ، يعرف خالقه ويتّجه بكلّ وجوده إليه في بخوعه والاستكانة لديه ثمّ الاستعانة به والانقطاع إليه في حوائجه. ولا تزال هذه الرغبة الملحّة للاعتقاد بالله العظيم في الفطرة عبر الوجود ، عقيدة راسخة في جوهر كلّ موجود ، ليحنّ إلى بارئه مستعطفا إيّاه راغبا في رعايته وعنايته الشاملة ، هو الرحمان الرحيم. (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(٥).
وهذه هي الهداية الربّانيّة شملت كلّ شيء وكلّ موجود برز إلى الوجود : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)(٦). (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى)(٧).
وهذه هي الهداية خصّ بها الإنسان في مراحل :
أولاها : عند ما عرض (الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ)(٨) حيث القابليّة وتواجد الصلاحيّة لحمل عبء الأمانة وركيزتها العقل الرشيد.
ثانيتها : حيثما جعله خليفته في الأرض (٩) ، لتتمثّل فيه جلائل صفاته تعالى ، ويصبح مظهرا تامّا لصفات الجمال والجلال. حيث أودعه قدرة الإبداع والتفكير والتدبير.
ثالثتها : أن علّمه الأسماء كلّها (١٠) ، بأن أودع فيه الهيمنة على استكشاف أسرار الوجود والعثور على كوامن الطبيعة ليستخرجها ويستخدمها في عمارة الأرض وإحياء معالمها : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها)(١١).
__________________
(١) الأعراف ٧ : ١٧٢.
(٢) الأحزاب ٣٣ : ٧.
(٣) آل عمران ٣ : ١٨٧.
(٤) التفسير الكبير ٢ : ١٤٧ ـ ١٤٨ ، المسألة ١٨.
(٥) الإسراء ١٧ : ٤٤.
(٦) طه ٢٠ : ٥٠.
(٧) الأعلى ٨٧ : ١ ـ ٣.
(٨) الأحزاب ٣٣ : ٧٢.
(٩) البقرة ٢ : ٣٠.
(١٠) البقرة ٢ : ٣١.
(١١) هود ١١ : ٦١.