والّتي تمنح الإنسان حقّ الانتفاع بمتع الحياة والتمتّع بكلّ ما مهّدت له الطبيعة من متع ومنح. فقد كان الأصل الذاتي هو جواز الانتفاع ما لم يرد منع عن شيء أو يزاحم حقوق الآخرين.
قال المحقّق الأردبيلي : وفي الآية (١) دلالة على إباحة السكنى في الأرض مطلقا ، بل التصرّف فيها مطلقا ، حتّى يمنع بدليل. وعلى أنّ خلق الأشياء وتدبيرها بهذا التقدير الموزون ، إنّما هو لصالح الإنسان ، وإباحة كلّ ما خلق لهذا الإنسان ، كما دلّ عليه العقل أيضا ، أي أنّ أصل الإباحة في الأشياء كلّها ، كما دلّ عليه الشرع دلّ عليه العقل أيضا ، لقاعدة «قبح العقاب بلا بيان» (٢). نعم قد يحرم شيء لدليل عقليّ إذا كان ضارّا كالسمومات المخلوقة لأغراض اخر في صالح الإنسان أيضا. أو لدليل نقليّ من آية أو سنّة أو إجماع ، كالميتة والدم ولحم الخنزير. (وهذا قد يخفى مفاسده على الإنسان في ظاهر الحال. لكنّه معلوم بدليل الحكمة في الخلق والتكليف). وعلى أيّ تقدير فالآية وما شاكلها دلّت على إباحة كلّ ما ينبت على وجه الأرض أو يشرب أو يركب وسائر الانتفاعات بأسرها إلّا ما أخرجه الدليل.
وقال ـ تذييلا على الآية ١٦٨ من سورة البقرة ـ : يمكن الاستدلال بها على إباحة كلّ ما في الأرض لكلّ أحد ، سواء المؤمن والكافر والعاصي. إذ المحلّل محلّل على الجميع والمحرّم محرّم
__________________
ــ ١٦٨).
وقوله : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ. وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ. وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (الحجر ١٥ : ١٩ ـ ٢١).
وقوله : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (الأعراف ٧ : ١٠).
وقوله : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) (الملك ٦٧ : ١٦).
وقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) (الحجّ ٢٢ : ٦٥).
وقوله : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ. وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ. رِزْقاً لِلْعِبادِ ...) (ق ٥٠ : ٩ ـ ١١).
وقوله : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) (طه ٢٠ : ٨١).
(١) الآيات ١٩ ـ ٢١ من سورة الحجر.
(٢) سيأتي الكلام عن عدم مساوقة القاعدة مع الأصل المستفاد من الكتاب.