إذن فكلّ فكرة أو نظرة تخالف معطيات الكتاب ومحكمات الآثار فمردود ومرفوض لدى حكمة العقل الرشيد.
وتلك أخبار الطينة مرّت عليك ، تجعل من طينة المؤمن غير طينة الكافر ، وأنّ هذه الطينة كانت هي المؤثرة في مصير الإنسان في مسيرته في الحياة ، ولا شكّ أنّها بظاهرها المريب تتنافى ومحكمات الكتاب والسنّة القويمة. فلا بدّ إمّا من تأويل مقبول أو الرفض رأسا.
***
وإليك بعض ما ذكره أصحاب النظر في الرفض والقبول :
قال المولى المحقق أبو الحسن الشعراني قدسسره ـ في قوله تعالى : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) ـ : هذه الآية تدلّ على أنّ الله تعالى فطر الناس جميعا على الدين الحنيف ، وكان خروج من خرج عنه أمرا طارئا ، كالعوارض. المخالفة لمقتضى الطبع. وفي الحديث : «كلّ مولود يولد على الفطرة ...» وكذا آية الذرّ (١) الدالّة على أنّ جميع ولد آدم تسلّموا لذلك وقالوا : بلى ، سواء الّذين كفروا بعد أم آمنوا ؛ وأنّ الله فطرهم جميعا على التوحيد.
ويتأيّد ذلك بأحاديث الفطرة الصادرة عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام. أوردها الصدوق رحمهالله في كتاب التوحيد.
قال : فإن ورد حديث يخالف بظاهره ما ذكرنا ، وأنّ فطرة الناس مختلفة ، وأنّ بعضهم خلق على فطرة الشرّ والفساد. فلا بدّ من تأويله بحيث لا يخالف العقل ومقتضى الكتاب والسنّة ، ولا يوجب الجبر والظلم منه تعالى على العباد. إذ لو كان الله خلق بعض الناس من طينة سجّين ، بما أوجب مصيره إلى الكفر والفسوق ، للزم الجبر والظلم منه تعالى. وإن اريد إيجاب أقربيّته إلى الشرّ والفساد ، لا القهر والإلجاء ، للزم التبعيض في لطفه تعالى بالنسبة إلى العباد. فبعضهم يجعله على عرضة الشرّ ، وبعضهم يمهّد له أسباب الصلاح ، من غير ما سبب معقول. وهذا أيضا ظلم يتحاشاه ساحة قدسه تعالى (٢).
وقال ـ أيضا ـ في تعليقه على شرح أصول الكافي للمولى صالح المازندراني ـ : ليس في
__________________
(١) الأعراف ٧ : ١٧٢.
(٢) راجع ما كتبه تعليقا على كتاب الوافي للمولى محسن الكاشاني ٤ : ٢٥ بتوضيح.