أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ)(١) فلا معنى لحملها على التسبيح بلسان الحال (٢).
وهذا الّذي ذكره سيّدنا العلّامة ، جيّد لطيف وحقيقة لا محيص عنها : إنّ للموجودات بأسرها حظّا من الشعور بقدر مالها من حظّ الوجود. وهو الظاهر من تعابير القرآن الكريم وكثير من أحاديث الصادقين عليهمالسلام.
لكن تفسير التسبيح بالتسبيح العبادي ومن نوعه الفعلي (العملي) ـ كما ارتآه الراغب الأصفهاني ـ لعلّه أوجه وأوفق مع تعابير القرآن ، لا سيّما بالنظر إلى توارد تسبيح الكائنات وسجودها في آيات متماثلة ، والقرآن يفسّر بعضه بعضا ، وبعد أن لم يكن في تفسير الراغب ما يستدعي تأويلا في التعبير ، كما ارتكبه سيّدنا الأستاذ ، حيث أوّل القول والكلام ـ من معناهما اللغوي المتعارف المتفاهم عصر النزول ـ إلى مفهوم عام : كلّ أثر أو عمل يكشف عن معنى خبيء ، الأمر الّذي لم يكن مفهوم ذلك العهد ولا في سائر الأزمان وحتّى مع الأبد ، إلّا لمن درس هذا التحقيق!!
وأمّا التعبير بالقول في موارد لم يصحّ النطق اللفظي فيها ، فهو من باب الاستعارة التخييليّة ، وهي من أجود أنواع الاستعارات ، والّتي قد ملئ القرآن العظيم منها : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)(٣). وهذا من أفخم الاستعارات التخييليّة ، المتجلّل بها وجه القرآن المجيد. إنّها تمثيل في ترسيم رائع ، وقد بهر الأدباء في القديم ولا يزال (٤).
هذا مع أنّه قدسسره حاول تأويل الكلام أيضا بمثل ما صنعه في القول ، ولكنّه لم يأت له بشاهد من الكتاب (٥).
__________________
(١) سبأ ٣٤ : ١٠.
(٢) الميزان ١٣ : ١١٥ ـ ١١٧ بتلخيص واختزال. وراجع : ٢ : ٣٣٣ ـ ٣٣٤ لبيان حقيقة القول.
(٣) سورة ق ٥٠ : ٣٠.
(٤) راجع ما سجّله الشيخ الطنطاوي بشأن هذه الآية من الإعجاز البلاغي الرفيع ٢٣ : ١٠٧ ـ ١٠٨.
(٥) راجع ما سجّله الأستاذ الطباطبائي بهذا الصدد في الميزان ٢ : ٣٣٣.