صريحا عن وحدانيّة ربّها في ربوبيّته وينزّهه عن كلّ نقص وشين ، فهي تسبّح الله سبحانه.
وذلك لكونها في أنفسها فقيرة إلى الله ، والحاجة أقوى كاشف عن غناء المحتاج إليه. فكلّ موجود يكشف بذاته المحتاجة عن غناء موجده الكامل التامّ. كما أنّ النظام العامّ المترابط والمنسجم بعضها مع بعض في وحدة جامعة متكاملة ، لممّا يدلّ بوضوح على وحدة موجدها وأنّه الّذي يلجأ إليه جميع الكائنات في فقرها وحاجتها ، فهو الغنيّ الّذي لا فقر لديه والكامل الّذي لا نقص فيه ، فهو ربّ العالمين إذ لا ربّ سواه. فكلّ واحد منها يكشف بحاجته ونقصه ، عن تنزّه ربّه عن الحاجة وبراءته من النقص. وهذا الكشف الذاتي ـ المنبعث من صميم الموجودات ـ قد عبّر عنه بالتسبيح والتحميد.
قال : لعلّك تقول : إنّ مجرّد الكشف الذاتي لا يسمّى تسبيحا حتّى يقارن بالقصد ، والقصد ممّا يتوقّف على الحياة ، وهي عادمة في أكثر الموجودات.
لكن الظاهر من التعبير القرآني أنّ للموجودات بأسرها نحو شعور وإحساس وأنّ لها حظّا من العلم على قدر مالها من مرتبة الوجود ، قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ)(١).
(وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ)(٢).
إذن فما من كائن إلّا وهو يشعر بنفسه بعض الشعور أنّ لها ربّا يبتغي رحمته وعطفه عليه ، فهو الغنيّ الكامل الّذي يلجأ إليه المحتاجون.
وهذا هو تسبيح الكائنات تسبيحا حقيقيّا بلسان قالها ـ لا بلسان حالها فحسب ـ غير أنّ لسان القال لا يستلزم كونه بلفظ أو صوت كما نبّهنا.
قال : فالحقّ أنّ التسبيح الّذي تثبته الآية لكلّ شيء هو التسبيح بمعناه الحقيقي ، وقد تكرّر في كلامه تعالى ، وفيها موارد لا تحتمل غير الحقيقة كقوله تعالى : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ)(٣). وقوله : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ)(٤). ويقرب منه قوله : (يا جِبالُ
__________________
(١) النور ٢٤ : ٤١.
(٢) البقرة ٢ : ٧٤.
(٣) الأنبياء ٢١ : ٧٩.
(٤) سورة ص ٣٨ : ١٨.