سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(١).
إذا قلت ذلك وأثنيت على الله بجلائل الصفات فقد نزّهته عن أضدادها ممّا لا يليق بساحة قدسه تعالى.
فهذا هو من التسبيح بالحمد وبالثناء الرفيع.
وبعبارة أصرح ـ وفق مصطلح أهل الكلام ـ : إذا أثنيت على الله بصفات الجمال (الصفات الثبوتيّة) ، فقد وصفته بصفات الجلال (الصفات السلبيّة) ونزّهته عن الأسواء ورفّعته عن الأدناس.
وهذا من أبلغ التسبيح والتقديس بشأنه تعالى.
أمّا قولنا : «سبحان ربّي العظيم وبحمده» و «سبحان ربّي الأعلى وبحمده» فيعني : ومع حمده. أي التنزيه مرفق بالتمجيد معا.
ولسيّدنا العلّامة الطباطبائي ـ هنا ـ رأي يجعل تسبيح الكائنات حصرا في القوليّ ، لكن يفسّر القول بكلّ ما يظهر من بواطن الأشياء ، وليس تكلّما باللّسان محضا.
فالتكلّم إنّما كان قولا ، لأنّه يبدي ما في كمون المتكلّم من مقاصد وآراء. فكلّ ما كان هذا شأنه ، صحّ إطلاق القول بل الكلام عليه بهذا الاعتبار.
فقوله تعالى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ)(٢) ، يعني : بدت منهما ما يكشف عن طوعهما واستسلامهما لإرادة الربّ تعالى.
قال : والتسبيح تنزيه قوليّ كلاميّ ، وحقيقة الكلام الكشف عمّا في الضمير بنوع من الدلالة عليه. غير أنّ الإنسان ألف لإبداء مراده بآلة اللسان واستعمال الألفاظ ، وقد يعبّر عن مقصوده بمجرّد الإشارة بيده أو برأسه ، وربّما استعان بالكتابة أو نصب علامة.
قال : وبالجملة فالّذي يكشف عن معنى مقصود ، قول وكلام. وقيام الشيء بهذا الكشف قول منه وتكليم ، وإن لم يكن بصوت أو لفظ.
وعليه فعند هذه الموجودات المشهودة ، من السماء والأرض وما فيهما ما يكشف كشفا
__________________
(١) الحشر ٥٩ : ٢٣ ـ ٢٤.
(٢) فصّلت ٤١ : ١١.