فقد كان تعالى خلق آدم ليكون خليفته في الأرض ، وأسكنه جنّته مع علمه تعالى بأنّه سوف لا يدوم فيها بسوء اختياره.
وفي حديث العيّاشي الآنف ما يشير إليه.
فما ورد ما يخالف ذلك لا بدّ من تأويله إلى ما لا ينافي الاختيار ، تلك الميزة الاختصاصيّة المودعة في هذا الكائن العجيب!
وإليك ممّا ورد من هذا النمط :
[٢ / ١٢٨٦] أخرج أبو داوود والآجريّ في الشريعة والبيهقي في الأسماء والصفات عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ موسى قال يا ربّ أرنا آدم الّذي أخرجنا ونفسه من الجنّة؟ فأراه الله آدم ، فقال : أنت أبونا آدم؟ فقال له آدم : نعم. قال : أنت الّذي نفخ الله فيك من روحه وعلّمك الأسماء كلّها وأمر الملائكة فسجدوا لك؟ قال : نعم. فقال : فما حملك على أن أخرجتنا من الجنّة؟ فقال له آدم : ومن أنت؟ قال : موسى. قال : أنت نبيّ بني إسرائيل الّذي كلّمك الله من وراء حجاب ، لم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه؟ قال : نعم. قال : فما وجدت أنّ ذلك كان في كتاب الله قبل أن أخلق؟ قال : نعم. قال : فلم تلومني في شيء سبق فيه من الله القضاء قبل؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عند ذلك : فحجّ آدم موسى فحجّ آدم موسى» (١).
[٢ / ١٢٨٧] وأخرج عبد بن حميد في مسنده وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «احتجّ آدم وموسى ، فقال موسى : أنت خلقك الله بيده وأسكنك جنّته وأسجد لك ملائكته ، فأخرجت ذرّيتك من الجنّة وأشقيتهم؟! فقال آدم : أنت موسى الّذي اصطفاك الله بكلامه ورسالاته ، تلومني في شيء وجدته قد قدّر عليّ قبل أن أخلق؟ فحجّ آدم موسى» (٢).
[٢ / ١٢٨٨] وأخرج البخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم والآجري في الشريعة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «تحاجّ آدم وموسى ، فحجّ آدم موسى فقال موسى : أنت آدم الّذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنّة؟ فقال له آدم : أنت موسى الّذي أعطاه الله كلّ شيء واصطفاه برسالته؟! قال : نعم. قال :
__________________
(١) الدرّ ١ : ١٣٣ ؛ أبو داوود ٢ : ٤١٣ ـ ٤١٤ / ٤٧٠١ ، باب ١٠ (في القدر) ؛ الأسماء والصفات ، الجزء الثاني : ٣٠٥ ؛ كنز العمّال ١ : ١١٧ / ٥٤٩.
(٢) الدرّ ١ : ١٣٣ ؛ منتخب مسند عبد بن حميد : ٢٩٥ / ٩٤٩.