تلك هي التقوى ، حسّاسية في الضمير ، وشفّافيّة في الشعور ، وخشية مستمرّة ، وحذر دائم ، وتوقّ لأشواك الطريق ، طريق الحياة ، الّذي تتجاذبه أشواك الرغائب والشهوات ، وأشواك المطامع والمطامح ، وأشواك المخاوف والهواجس ، وأشواك الرجاء الكاذب ، فيمن لا يملك إجابة رجاء ، والخوف الكاذب ممّن لا يملك نفعا ولا ضرّا ، وعشرات غيرها من الأشواك (١).
إذن فالمتّقون كما :
[٢ / ٩١] وصفهم الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام : هم أهل الفضائل ، منطقهم الصواب ، وملبسهم الاقتصاد ، ومشيهم التواضع. غضّوا أبصارهم عمّا حرّم الله عليهم ، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم ... عظم الخالق في أنفسهم فصغر مادون ذلك في أعينهم ... فمن علامة أحدهم : أنّك ترى له قوّة في دين ، وحزما في لين ، وإيمانا في يقين ، وحرصا في علم ، وعلما في حلم ، وقصدا في غنى ، وخشوعا في عبادة ، وتجمّلا في فاقة ، وصبرا في شدّة ، وطلبا في حلال ، ونشاطا في هدى ، وتحرّجا عن طمع ... الخير منه مأمول ، والشرّ منه مأمون ... بعيدا فحشه ، ليّنا قوله ، غائبا منكره ، حاضرا معروفه ، مقبلا خيره ، مدبرا شرّه ... في الزلازل وقور ، وفي المكاره صبور ، وفي الرخاء شكور ... يعترف بالحقّ قبل أن يشهد عليه. لا يضيع ما استحفظ ، ولا ينسى ما ذكّر ... ولا يدخل في الباطل ، ولا يخرج من الحقّ ... نفسه منه في عناء ، والناس منه في راحة (٢).
فالتقوى : هي مجموعة فضائل نفسيّة تجعل صاحبها في قمّة المكرمة الإنسانيّة الرفيعة ، له شرفه ونبله وكرامته. وهذه الفضائل هي الّتي آهلته لإفاضة النفحات القدسيّة عليه في جميع أنحاء حياته الكريمة ، وانفتاح أبواب الخير والبركات عليه. (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً)(٣).
ألا وهي الاستقامة على طريقة الحقّ اللائحة ، فتستعقب لا محالة صفاء في علم وضياء في حكمة ، (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(٤). (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ)(٥).
فهناك التقوى تستجلب العلم والحكمة والهداية إلى سبيل الرشاد.
__________________
(١) انظر تفاصيل ما بيّنه سيّد قطب في هذا المجال (في ظلال القرآن ١ : ٣٩ ـ ٤١).
(٢) نهج البلاغة ٢ : ١٦٠ ـ ١٦٤ ، الخطبة : ١٩٣.
(٣) الجنّ ٧٢ : ١٦.
(٤) البقرة ٢ : ١٩٤.
(٥) البقرة ٢ : ٢٨٢.