سنة من يوم كان مقداره اثنتي عشرة ساعة ، واليوم ألف سنة ممّا يعدّ أهل الدنيا. فأهبط آدم على جبل بالهند يقال له نوذ (١) ، وأهبطت حوّاء بجدّة ، فنزل آدم معه ريح الجنّة فعلق بشجرها وأوديتها فامتلأ ما هنالك طيبا ، فمن ثمّ يؤتى بالطيب من ريح آدم. وقالوا : أنزل معه من طيب الجنّة أيضا ، وأنزل معه الحجر الأسود ، وكان أشدّ بياضا من الثلج ، وعصا موسى وكانت من آس الجنّة ، طولها عشرة أذرع على طول موسى ... ثمّ أنزل عليه بعد السندان والكلبة والمطرقتان ، فنظر آدم حين أهبط على الجبل إلى قضيب من حديد نابت على الجبل فقال : هذا من هذا! فجعل يكسر أشجارا قد عتقت ويبست بالمطرقة ، ثمّ أوقد على ذلك القضيب حتّى ذاب ، فكان أوّل شيء ضرب منه مدية ، فكان يعمل بها ، ثمّ ضرب التنّور وهو الّذي ورثه نوح ، وهو الّذي فار بالهند بالعذاب!
فلمّا حجّ آدم وضع الحجر الأسود على أبي قبيس ، فكان يضيء لأهل مكّة في ليالي الظلم كما يضيء القمر ، فلمّا كان قبيل الإسلام بأربع سنين ، وقد كان الحيّض والجنب يعمدون إليه يمسحونه فاسودّ ، فأنزلته قريش من أبي قبيس ، وحجّ آدم من الهند أربعين حجّة إلى مكّة على رجليه.
وكان آدم حين أهبط يمسح رأسه السماء ، فمن ثمّ صلع وأورث ولده الصلع ، ونفرت من طوله دوابّ البرّ فصارت وحشا من يومئذ.
وكان آدم وهو على ذلك الجبل قائما يسمع أصوات الملائكة ، ويجد ريح الجنّة. فحطّ من طوله ذلك إلى ستّين ذراعا ، فكان ذلك طوله حتّى مات.
ولم يجمع حسن آدم لأحد من ولده إلّا ليوسف عليهالسلام ، وأنشأ آدم يقول : ربّ كنت جارك في دارك ليس لي ربّ غيرك ولا رقيب دونك ، آكل فيها رغدا وأسكن حيث أحببت ، فأهبطتني إلى هذا الجبل المقدّس ، فكنت أسمع أصوات الملائكة ، وأراهم كيف يحفّون بعرشك ، وأجد ريح الجنّة وطيبها. ثمّ أهبطتني إلى الأرض وحططتني إلى ستّين ذراعا ، فقد انقطع عنّي الصوت والنظر ، وذهب عنّي ريح الجنّة! فأجابه الله تبارك وتعالى : لمعصيتك يا آدم فعلت ذلك بك!
فلمّا رأى الله عرى آدم وحوّاء ، أمره أن يذبح كبشا من الضأن من الثمانية الأزواج الّتي أنزل الله من الجنّة ، فأخذ آدم كبشا وذبحه ، ثمّ أخذ صوفه فغزلته حوّاء ونسجه هو ، فنسج آدم جبّة لنفسه ، وجعل لحوّاء درعا وخمارا فلبساه. وقد كانا اجتمعا بجمع فسمّيت «جمعا» وتعارفا بعرفة فسمّيت
__________________
(١) نوذ : جبل بسرنديب ، عنده مهبط آدم ، وهو أخصب جبل في الأرض. معجم البلدان ٤ : ٨٢٢.