الهدى ، ومادامت عاجلة الدنيا هي الّتي بهرت عيون أهل الردى وتجلّت زخرفتها في نفوسهم ، فأنستهم ذكر الله.
هكذا استمرّ كفاح بني اسرائيل عنادا مع الحقّ ، عبر تاريخهم البئيس المليء بالأكدار والنكبات. فليكن سرد قصصهم عبرة لسائر الأمم وللأمّة المسلمة بالذات ، وليأخذوا من مواضع إسرائيل الملتوية درسا يعتبرون به في انتهاج سبل السعادة والسّلام.
فكان سرد قصصهم وتكريرها ، تأكيدا على العظة بها ، وكانت ضروريّة أوّلا وقبل كلّ شيء لتحطيم دعاوي يهود ، وكشف مكايدها ، ببيان حقيقتها وحقيقة دوافعها في الدسّ للإسلام والمسلمين ، كما كانت ضروريّة لتفتيح عيون المسلمين وقلوبهم لهذه الدسائس والمكايد الّتي توجّه إلى مجتمعهم الجديد ، وإلى الأصول الّتي يقوم عليها ؛ كما توجّه إلى وحدة الصفّ المسلم لخلخلته وإشاعة الفتنة فيه.
ومن جانب آخر كانت ضروريّة لتحذير المسلمين من مزالق الطريق الّتي عثرت فيها أقدام الأمّة المستخلفة قبلهم ، فحرمت مقام الخلافة ، وسلبت شرف القبام على أمانة الله في الأرض ، ومنهجه لقيادة البشر. وقد تخلّلت هذه الجولة توجيهات ظاهرة وخفيّة للمسلمين لتحذيرهم من تلك المزالق والدركات.
وما أحوج الجماعة المسلمة إلى هذه العظة وذاك الاعتبار ، وما أحوج الأمّة المسلمة في طول تاريخها المجيد إلى تملّي هذه التوجيهات وإلى دراسة هذا القرآن وما فيه من عبر وعظات ، بالعين المفتوحة والحسّ البصير ، لتتلقّى منه تعليمات القيادة الإلهية العلويّة في معاركها الّتي تخوضها مع أعدائها التقليديّين ، ولتعرف منها كيف تردّ على الكيد العميق الخبيث الّذي يوجّهونه إليهم دائبين ، بأخفى الوسائل وأمكر الطرق. وما يملك قلب لم يهتد بنور الإيمان ، ولم يتلقّ التوجيه من تلك القيادة المطّلعة على السرّ والعلن والباطن والظاهر ، أن يدرك المسالك والدروب الخفيّة الخبيثة الّتي يتدسّس فيها ذلك الكيد اللئيم المريب!
نعم كانت قصّة بني إسرائيل هي أكثر القصص ورودا في القرآن الكريم ؛ والعناية بعرض مواقفها ومواضع عبرتها عناية ظاهرة ، توحي بحكمة الله ـ عزوجل ـ في علاج هذه الأمّة المسلمة