رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في بعض أسفاره إذ لقيه ركب ، فقالوا : السّلام عليك يا رسول الله ، فقال : «ما أنتم؟ فقالوا : نحن مؤمنون يا رسول الله! قال : فما حقيقة إيمانكم؟ قالوا : الرّضا بقضاء الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : علماء حكماء (١) كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء ، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا مالا تسكنون ولا تجمعوا مالا تأكلون واتّقوا الله الّذي إليه ترجعون» (٢).
[٢ / ١٧١] وبإسناده عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : «إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صلّى بالنّاس الصبح ، فنظر إلى شابّ في المسجد وهو يخفق (٣) ويهوي برأسه ، مصفرّا لونه ، قد نحف جسمه وغارت عيناه في رأسه ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : كيف أصبحت يا فلان؟ قال : أصبحت يا رسول الله موقنا ، فعجب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله وقال : إنّ لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟ فقال : إنّ يقيني يا رسول الله هو الّذي أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ هواجري فعزفت نفسي عن الدّنيا وما فيها حتّى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي وقد نصب للحساب وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم. وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة ، يتنعّمون في الجنّة ويتعارفون وعلى الأرائك متّكئون. وكأنّي أنظر إلى أهل النّار وهم فيها معذّبون مصطرخون ، وكأنّي الآن أسمع زفير النّار ، يدور في مسامعي. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأصحابه : هذا عبد نوّر الله قلبه بالإيمان ، ثمّ قال له : الزم ما أنت عليه ، فقال الشابّ : ادع الله لي يا رسول الله أن أرزق الشّهادة معك ، فدعا له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر» (٤).
[٢ / ١٧٢] وبإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «استقبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حارثة بن مالك بن النعمان الأنصاريّ فقال له : كيف أنت يا حارثة بن مالك؟ فقال : يا رسول الله مؤمن حقّا ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لكلّ شيء حقيقة فما حقيقة قولك؟ فقال : يا رسول الله عزفت نفسي عن الدّنيا فأسهرت ليلي وأظمأت هواجري وكأنّي أنظر إلى عرش ربّي [و] قد وضع للحساب وكأنّي
__________________
(١) في بعض النسخ «حلماء» والحلم بالكسر : العقل ومنه قوله تعالى : (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ). الطور ٥٢ : ٣٢.
(٢) الكافي ٢ : ٥٢ ـ ٥٣ / ١.
(٣) يقال خفق برأسه إذا أخذته سنة من النعاس فمال رأسه دون سائر جسده.
(٤) الكافي ٢ : ٥٣ / ٢.