__________________
ـ (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) الذي استأثر به ؛ لأنها من قول :( كُنْ ((إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[النحل : ٤٠].
واعلم أن الروح في الحقيقة روحان : روح القدس ، وروح الأكوان ، فروح القدس هو روح الأرواح ، وهو المنزه عن الدخول تحت حيطة (كُنْ) ، فلا يجوز أن يقال فيه إنه مخلوق ؛ لأنه وجه خاص من وجوه الحق ، قام الوجود بذلك الوجه ، فهو روح لا كالأرواح ؛ لأنه روح الله تعالى ، وهو المنفوخ فيه من آدم.
وإليه الإشارة بقوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)[ص : ٧٢] ، فروح آدم مخلوق وروح الله ليس بمخلوق ، فهو روح القدس : أي أنه هو الروح المقدّس عن النقائص الكينونية ، وذلك الروح هو المعبّر عنه بالوجه الإلهي في المخلوقات.
وهو المعبّر عنه في الآية بقوله : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)[البقرة : ١١٥] ، يعني هذا الروح المقدس الذي أقام الله به الوجود الكوني بوحدانيته ، تولوا بأجسامكم في المحسوسات ، أو بأفكاركم بالمعقولات.
فإن الروح المقدس متعين بكمال فيه ؛ لأنه عبارة عن لوجه الإلهي القائم بالوجود ، فذلك الوجه في كل شيء هو روح الله ، وروح الشيء نفسه ، فالوجود قائم بنفس الله ، ونفسه ذاته ، فتعالى الله عن المثل والشبيه ، أو أن يدركه بعقله نبيه.
وروح الأكوان هو أن كل شيء من المحسوسات له روح مخلوق قام به صورته ، والروح لتلك الصورة كالمعنى للفظ لا يخلو منه كون ما ، إلا إذا لم يدخل في كينونة (كُنْ) ، وتلك الروح كائنة من روح القدس ، لا يصح كونها من غيره ، ولا يصح كونها منه كما قيل :
رق الزجاجة ورقت الخمر |
|
فتشابها وتشاكل الأمر |
فكأنها خمر ولا قدح |
|
وكأنما قدح ولا خمر |
فافهم ثم تتعلم ، وهو من أغرب ما يعلم أن الروح في دخولها في الجسد وحلولها فيه لا تفارق مكانها ، ولكنها لما نظرت إلى الجسد حلّت فيه ؛ لأن من عادة الأرواح أن تحل فيما نظرت فيه من غير مفارقة لمركبها ، وهذا مما لا يفهم إلا بالكشف الربّاني ، ولكني أمثله لك ليقرب من ذهنك يسيرا ، فهذا الحلول كحلول وجهك في المرآة من غير مفارقة منك لموضعك وهو مجرد مثل.
وأما التفرقة فهي حاصلة من كل وجه غير ذلك الحلول ، وشهود تلك الروح القائمة بها الأكوان قدسا وكونا هو البحر ، الذي إذا شاهده الولي شاهد منه الأنبياء والأولياء والملائكة ، وغير ذلك من كل روح قائمة في جسدها شهودا لا تكون فيه تفرقة بين كبيرها وصغيرها ، وكثيرها وقليلها ، ولا ينجيه من الغرق فيه إلا سفينة الشريعة ؛ لأنها ترد له كل شيء إلا بما ـ