وقيل : معناه يبتغون من الله أرباحا في تجاراتهم ورضوانا منه بزعمهم ، فانّ المشركين كانوا يظنّون في أنفسهم أنّهم على سداد من دينهم ، وأنّ الحجّ يقرّبهم إلى الله ، فوصفهم الله بظنّهم فيكون المراد النّهى عن استحلالهم ومنعهم عن حجّ البيت وإن كانوا مشركين.
ويؤيّده ما روي أنّ الآية (١) نزلت في الخطم بن هند البكريّ أتى النبيّ صلىاللهعليهوآله وحده وخلف خيله خارج المدينة فقال إلى ما تدعوا؟ فقال إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وإقام الصّلوة ، وإيتاء الزكاة ، فقال : حسن ولكن لي من أشاوره. وخرج فمرّ بسرح من المدينة فساقه وانطلق به ، ثمّ أقبل من العام القابل حاجّا مع حجّاج اليمامة قد قلّد هديا وكان المسلمون والمشركون يحجّون جميعا ، فأراد المسلمون التعرّض لهم بسبب كونه فيهم ، فنهى الله المسلمون أن يمنعوا أحدا عن حجّ البيت ، بقوله تعالى (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) الآية.
وعلى هذا فالآية منسوخة بما دلّ على المنع من دخول المشرك المسجد الحرام وبقوله (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (٢) قيل إنّه لم ينسخ من المائدة سواها.
(وَإِذا حَلَلْتُمْ) من إحرامكم (فَاصْطادُوا) إباحة للاصطياد بعد حظره عليهم ولا يلزم من حمل الأمر هنا على الإباحة كون الأمر الواقع بعد الحظر للإباحة مطلقا فإنّ الأصحّ أنّه للوجوب مطلقا ، وإن كان بعد النّهي ، لكنّه هنا للإباحة لانعقاد الإجماع على عدم الوجوب ، وقد مرّ غير مرّة.
(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) ولا يحملنكم أولا يكسبنّكم ، وجرم بمعنى كسب فيتعدّى إلى المفعول الواحد مرّة وإلى الاثنين اخرى يقال : جرم ذنبا كسبه وجرمته ذنبا كسبته إيّاه ، وقد تعدّى هنا إلى اثنين أحدهما الضّمير والآخر (أَنْ تَعْتَدُوا).
(شَنَآنُ قَوْمٍ) شدّة بغضهم وعداوتهم ، وهو مصدر أضيف إلى الفاعل أو المفعول (أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) بمعنى العلّة أي لأجل أنّهم صدّوكم عنه عام
__________________
(١) المجمع ج ٢ ص ١٥٣ ، ونقل عنه في نور الثقلين ج ١ ص ٤٨٤ ، وانظر أيضا كنز العرفان ج ١ ص ٣٣١.
(٢) النساء : ٩٢.