الحديبية ، وقرء ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة على أنّه شرط معترض أغنى عن جوابه تقدّم (لا يَجْرِمَنَّكُمْ).
(أَنْ تَعْتَدُوا) بالانتقام ، والمعنى لا يكسبنّكم بغضهم وعداوتهم الاعتداء عليهم والانتقام منهم بإلحاق المكروه بهم.
(وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ) هو استيناف كلام ، وليس بعطف على تعتدوا ليكون في موضع النّصب كذا في مجمع البيان ، أمر تعالى عباده بأن يعين بعضهم بعضا على البرّ وهو العمل بما أمرهم الله به (وَالتَّقْوى) أي اتّقاء ما نهاهم الله عنه.
(وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ) وهو ترك ما أمر به (وَالْعُدْوانِ) وهو مجاوزة ما حدّ الله لهم في دينهم ، وهو كالمؤكّد للأمر السابق ، والظاهر أنّ النهي عن ذلك إنّما هو مع القصد إلى التعاون لا مع وقوعه اتّفاقا إذ المراد الإعانة على الوجه الّذي يقال عرفا أنّه أعانه عليه كما لو طلب الظّالم سيفا من شخص لقتل مظلوم ، وكان يمكنه أن لا يدفعه إليه فدفعه أو طلب منه القلم لأن يكتب أمرا مخالفا للمشروع فدفعه مع إمكان الردّ ، ونحو ذلك ممّا يعدّ عرفا فيه المعونة ، لا نحو ما إذا قصد غرضا صحيحا فترتّب عليه معاونة الظّالم.
كما لو قصد بالتّجارة تحصيل النفقة الواجبة أو المستحبّة أو المباحة فاتّفق أن أخذ الظّالم منه العشور ، فانّ ذلك لا يسمّى تعاونا في العرف ، وكذا لو حجّ فأخذ منه في الطّريق بعض المال ظلما ، ونحوه فلا يدخل مثله تحت النّهي.
ومن هنا يظهر أنّه لو باع السلعة على من يحتمل أن يصرفها في غير المشروع من غير قصد ذلك ، لم يكن فيه حرمة كما لو باع العنب ممّن يعمله خمرا أو الخشب ممّن يصنعه صنما ، فاتّفق أن عمل ذلك فيه وفي الاخبار (١) دلالة عليه ، وعلى ذلك أكثر الأصحاب.
وبالجملة الظاهر من التعاون على الإثم كون فعله لأجل تحصيله إمّا قصدا
__________________
(١) انظر الوسائل أبواب ما يكتسب به تجد خلال أخبارها ما يدل على الجواز وما يدل على الحرمة.