الرّزق بهم ، وإنّما خصّهم لأنّ الله تعالى أعلمه أنّ في ذرّيّته ظالمين وأنّهم لا ينالون عهده ، لمّا سأل الإمامة لذرّيّته بقوله (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) فخصّ في الرّزق المؤمنين تأدّبا بأدب الله تعالى.
قال (وَمَنْ كَفَرَ) عطف على (مَنْ آمَنَ) عطف التلقين كما عطف (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) على الكاف والتّقدير هنا وارزق من كفر على الإخبار لا الأمر ، أخبر تعالى بأنّ الرزق في الحيوة الدّنيا ليس مقصورا على المؤمنين بل يشمل الكافرين أيضا فإنّه قد يكون استدراجا للمرزوق وإلزاما للحجّة له.
قال التفتازاني والّذي يقتضيه النّظر الصّائب أن يكون هذا عطفا على محذوف أي أرزق من آمن وأرزق من كفر بلفظ الخبر وهو جيّد ، ويجوز أن يكون مبتدأ تضمّن معنى الشّرط وقوله فامتّعه قليلا خبره ، والكلام في تقدير من آمن منهم أرزقه من الثمرات ، ومن كفر فامتعه قليلا [أي بالرّزق أو بالبقاء في الدّنيا].
ولا يرد أنّ الكفر لا يكون سببا للتمتّع ، فلا وجه لترتّبه عليه ، لانّ الكفر سبب لتقليله بأن يجعله مقصورا على حظوظ الدّنيا غير متوسّل به إلى نيل الثواب ولذلك عطف عليه وقوله (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ) أي ألزّه إليه لزّ المضطرّ لكفره وتضييعه ما متّعته به من النّعم ، وانتصاب قليلا على المصدريّة أو الظرفيّة (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) المخصوص بالذّم محذوف وهو العذاب.
وقد يستدلّ بها على جواز الدّعاء بالرزق بل طلب الرّفاهية والتوسعة في المعاش وحسن الحال ، وطلب طيب المآكل كما يشعر به قوله (مِنَ الثَّمَراتِ) إذ لو كان المراد أصل القوت الّذي يسدّ به الخلّة لم يكن لذكره كثير فايدة ، وفي الاخبار دلالة على ذلك أيضا.
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) حكاية حال ماضية ، أي اذكر إذ يرفع إلخ ، والقواعد جمع قاعدة وهي الأساس والأصل لما فوقه ، صفة غالبة من القعود بمعنى الثبات ، ومن ذلك القاعدة من الجبل ، ولعلّه مجاز من المقابل للقيام ، ومنه
__________________
(١) البقرة : ١٢٤.