وإن قرئ على الغيبة احتمل كون الفاعل محسب أو عاقل ونحوه ، وهو الظاهر من سوق الآية ، واحتمل كونه (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) ومفعوله الأوّل محذوف ، أى لا يحسبنّ الّذين يبخلون بخلهم هو خيرا لهم ، ولا يرد ما قيل إنّ باب حسب لا يجوز حذف أحد مفعوليها ، لأنّ ذلك محمول على الغالب أو على الحذف نسيا منسيّا.
(بَلْ هُوَ) أي البخل (شَرٌّ لَهُمْ) لاستجلابه العقاب عليهم (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) كأنّه بيان لشرّيّته لهم ، والمعنى أنّهم يلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق ، ومن الأمثال قولهم تقلّدها طوق الحمامة إذا جاء بهنة يسبّ بها ويذمّ أو يجعل ما بخل به من المال طوقا في عنقه.
وروى (١) الكلينيّ عن محمّد بن مسلم في الحسن قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) فقال : يا محمّد ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلّا جعل الله له ذلك يوم القيمة ثعبانا من نار مطوّقا في عنقه ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب ثمّ قال هو قول الله (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) يعني ما بخلوا به من الزكاة.
وعن حريز (٢) في الصحيح قال قال أبو عبد الله عليهالسلام : ما من ذي ذهب أو فضّة يمنع زكاة ماله إلّا حبسه الله يوم القيمة بقاع قفر ، وسلّط عليه شجاعا أقرع يريده وهو يحيد عنه ، فإذا رأى أنّه لا يتخلّص منه أمكنه من يده فيقضمها كما يقضم الفجل ثمّ يصير طوقا في عنقه وذلك قول الله جلّ ذكره (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) الحديث (٣).
__________________
(١) الكافي ج ١ ص ١٤١ باب منع الزكاة الحديث ١.
(٢) الكافي ج ١ ص ١٤٢ باب منع الزكاة الحديث ١٩ وهو في المرآة ج ٣ ص ١٨٦ وفي الفقيه ج ٢ ص ٥ الرقم ١٠ وترى في الدر المنثور ج ٢ ص ١٠٥ احاديث مفادها قريب من مفاد هذا الحديث.
(٣) وذيل الحديث في نسخة الأستاذ المدرسى مذكور بلفظه.