الإلهية على هذا الإنسان الكامل أشد مطابقة منها على المسمى الله ، ولما كان المثل عن مثله متميزا بأمر لا يتمكن أن يكون ذلك الأمر إلا له ، ولا يكون لمثله كان الأمر في الأسماء التي يتميز المثل عن مثله به ولا يشاركه فيه من جانب الحق الاسم الله ، فعيّن ما اختص به المثل عن مثله ، وكان للمثل الآخر الاسم الإنسان الكامل الخليفة مما اختص به هذا المثل الكوني ، وأسماء الحق الباقية مركبة من روح وصورة ، فمن حيث صورتها تدل بحكم المطابقة على الإنسان ، ومن حيث روحها ومعناها تدل بحكم المطابقة على الله ، ولنا حالة وله حالة ، والأسماء تتبع الأحوال ، فالأمر بيننا وبينه على السواء ، مع الفرقان الموجود المحقق ، بأنه الخالق ونحن المخلوقون ، وهو الله وأنا الإنسان الخليفة ، فأعطى الله آدم كل الأسماء المتوجهة على إيجاد العالم ، وهي الأسماء الإلهية التي يطلبها العالم بذاته ، وإن كان وجوده عنها فقال صلىاللهعليهوسلم : «إن الله خلق آدم على صورته» إذ كانت الأسماء له وعنها وجد العالم ، فأوجد الله العالم إنسانا كبيرا ، وجعل آدم وبنيه مختصر هذا العالم ، فبعنايته الأزلية بنا أعطانا الوجود على الصورة ، ولم يعطنا السورة التي هي منزلته ، فإن منزلته الربوبية ، ومنزلتنا المربوبية ـ الوجه الثالث ـ (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) كما سبق أن أوضحنا أن العالم كله تفصيل آدم ، وآدم هو الكتاب الجامع ، وما علمت الملائكة من آدم إلا ظاهر نشأته ، وجهلوا باطنه ، وهو حقيقة ما خلقه الله عليه من الصورة ، فلو علموا باطنه لرأوا الملائكة جزءا من خلقه ، فجهلوا أسماءه الإلهية التي نالها بهذه الجمعية لما كشف له عنه فأبصر ذاته ، فعلم مستنده في كل شيء ، ومن كل شيء ، وكل تقتضي الإحاطة وهي الأسماء التي لها تعلق وتوجه على إيجاد العالم العنصري وغيره ، الذي هو آدم جامع لفطرته فهي الأسماء الإلهية التي وجدت عنها الأكوان كلها ، ولها التأثير والخاصية ولم تعطها الملائكة ، فأعطاه علمها من حيث ما هي عليه من الخواص التي يكون عنها الانفعالات ، فيتصرف بها في العالم تصرفها ، فإن لكل اسم خاصة في الفعل في الكون ، يعلمها من يعلم علم الحروف وترتيبها ،
____________________________________
على الفساد وسفك الدماء أن لو لم يقع من بني آدم شيء من ذلك ، لا مشروع ولا غير مشروع ، فكان ما أردناه أظهر في الترجمة ، فأما قوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) يعني أسماء الأشياء ، (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) يعني أعيان المسميات بتلك الأسماء ، في حضرة من الحضرات الوجودية ، ولكن