الربو والزيادة ، ولذلك تعطي قليلا وتجدها كثيرا ، والزكاة طهارة للأموال من حيث إضافة المال إلى العبيد ، وطهارة لأربابها من صفة البخل.
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٤٤)
العقل قيد وما خاطب تعالى إلا العقلاء ، وهم الذين تقيدوا بصفاتهم وميزوها عن صفات خالقهم ، ولهذا أدلة العقول تميز بين الحق والعبد ، والخالق والمخلوق ، فقال تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) البر هو الإحسان والخير (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) ولا يتمكن لعبد التزم
____________________________________
مستعاذا منه ، فقال (منك) فجعله سبحانه في مقابلة نفسه إذ لا مثل له ، وهو قوله تعالى (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) فهو المتكبر سبحانه الجبار ، والعبد إذا اتصف بما تناقض حقيقته من أوصاف العظمة والكبرياء التي تستحقها الربوبية [يقع في سخط الله] (*) فلهذا قال (منك) أي أن أكون متكبرا جبارا ، فهو يستعيذ من كبريائه أن يقوم به بكبريائه سبحانه ، ثم قال تعالى (٤٣) (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ) الآية ، يقول : لا تخلطوا الحق بالباطل ، وهو قوله سبحانه عنهم (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ) وهو الحق (وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) وهو الباطل فخلطوا بينهما (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ) حال من الضمير وهو الأوجه ، أي لا تلبسوا الحق بالباطل كاتمين للحق ، ويؤيد هذا قوله (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنه الحق ، قال تعالى (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ) وهم هؤلاء (لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) يقول : إن الحق أبلج ، لا لبس فيه لقوة الدلالة عليه ، ولذلك قال (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا شك ولا لبس ، فهم يتخيلون أن الحق يختلط بالباطل وليس كذلك ، ولذلك كثيرا ما يصف سبحانه الآيات أنها بينات ومبينات ، اسم فاعل واسم مفعول ، وهو قوله (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنه الحق وأنه لا يلتبس ، فهما معلومان لهم ، ثم قال (٤٤) (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) الآية ، تقدم الكلام في إقامة الصلاة في أول السورة (وَآتُوا الزَّكاةَ) المفروضة عليكم ، التي يؤدي إعطاؤها إلى نمو أموالكم وزيادتها ، وإلى تطهيركم مما يلزمكم من إمساكها ، وقوله (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) أي صلوا في الجماعة ، ففي ذلك الحث على حضور الجماعة في الصلاة ، وإن كان الضمير يعود على أهل الكتاب ، فإن صلاتهم على ما قيل لا ركوع فيها ، فيقال لهم صلوا صلاة المسلمين ، وقد يريد (ارْكَعُوا) أي انقادوا لهذا الدين كانقياد المؤمنين ، إذ الركوع الانقياد والخضوع ، (٤٥) (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) الآية ، خطاب لكل من أمر بالبر ولم يعمل به ، البر الإحسان أجمعه ، وكل من أحسن لمن أمر
__________________
(*) [...] ساقطة من الأصل.