(الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٤٦)
فظن خيرا تلقه ، فإن الله ما يوجد إلا عند ظن العبد به فليظن به خيرا.
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٤٨)
وهي فروض الأعيان لا تجزى نفس عن نفس شيئا ، فإن الفروض حقوق الله ، وحق الله أحق بالقضاء.
____________________________________
لا يقدر أحد يقطع عليه كلامه ، ولا يدخل بينه وبين الملك ، لما تقتضيه الحضرة من الهيبة والجلال ، فجناب الحق أولى بهذه الصفة ، ولهذا جاء إبليس لعنه الله إلى النبي صلىاللهعليهوسلم بقبس من نار فرماه في وجهه وهو في الصلاة ، لما لم يكن له سبيل إلى قلبه لما ذكرناه من حضوره مع الحق ومناجاته ، ثم قال (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) يقول : إن المتكبرين يستكبرونها حيث تنزلهم عن كبريائهم ، وأما الخاشع فما تطأمن وخضع وذل إلا لتجلي الحق على قلبه في كبريائه وعظمته ، فلا يكبر على الخاشع الوقوف عند أوامر سيده ، ثم وصفهم فقال (٤٧) (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) الآية ، العلم القطع على أحد الأمرين ، والشك التردد بين الأمرين من غير ترجيح ، والظن ترجيح أحد الأمرين من غير قطع ، والظن هنا على بابه ، وله وجهان هنا ، الوجه الواحد أن المؤمنين قاطعون بأنهم إلى ربهم راجعون ، فإنه قال (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) والكافر والمؤمن كلهم يرجعون إلى الله ، غير أنه ما كل من يرجع إليه يلقاه ، قال تعالى (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) فلذا قيل فيهم (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) أي يغلب على ظنهم أن الله بكرمه يختم لهم بما هم عليه من أعمال أهل السعادة ، فيكونون ممن يلقى ربه ، والوجه الآخر أنهم يظنون أنهم ملاقوا ربهم من حيث هذا الاسم ، فإن العبد المطيع لسيده يغلب على ظنه أن سيده لا يلقاه بمكروه ، فإن مدلول هذا الاسم خير كله ، فإنه يجوز أن يلقوا يوم القيامة الاسم المنتقم أو الضار ، فالأدب والمعرفة حكمت عليهم بأن يظنوا (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) فإن عاد الضمير في (إِلَيْهِ