(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢)
يقال : صبا فلان إلى كذا إذا مال إليه.
____________________________________
بالإيمان ، وكله استبدال ، لا ينكر عليه في نفسه القذرة أن يستبدل المن والسلوى بالثوم والبصل ، فقال لهم الله (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) لأنهم سألوا دنيّا ، فأهبطوا من عز رفعتهم بعناية الله بهم وما اختاره من الطعام الطيب ، وقوله (مِصْراً) منونا ، أي مصرا من الأمصار ، ومن لم ينوّن أراد البلدة المسماة بمصر ، فلما هبطوا وكفروا بآيات الله ، وقتلوا النبيين بغير الحق وعصوا واعتدوا (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) أي ألصقت بهم ، من ضربت الطين على الحائط إذا ألصقته ، يقول لزمتهم الذلة وهي الصغار ، والمسكنة الخضوع والسكون تحت صولة الإيمان ، فلم يرفع الله لهم علما ، ولا قام منهم ملك ، حيث كانوا في جميع الملل لا يزالون أذلاء صاغرين (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) أي استحقوا الغضب من الله ، يقال باء فلان بفلان إذا كان حقيقا أن يؤخذ به لمساواته إياه في الكفاءة في ذلك ، وقال عليهالسلام : من قال لأخيه كافر فقد باء به أحدهما ، أي استحق ذلك الإطلاق أحد الرجلين ، إما المقول فيه إن كان كافرا ، وإما القائل إن كان المقول فيه مسلما ، لأنه سمى الإسلام كفرا ، ومن اعتقد بذلك فقد كفر ، ذهب إلى هذا بعض العلماء ، ثم قال (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ) هذه باء السبب (كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) قد تقدم شرح الكافر في أول السورة ، وقوله (بِآياتِ اللهِ) يقول بما نصبه الحق من الدلالات على تصديق ما جاءت به رسله من كتاب وغيره (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) سبب آخر زائد على الكفر بالآيات ، يقول عنادا ، أي لم يقتلوهم بحق من عندهم فيما يرجع إلى دينهم ، فالألف واللام للحق المعهود عندهم ، لا للحق الذي جاءت به الأنبياء صلوات الله عليهم ، فإن ذلك معلوم بلا شك ، وإنما فائدة ذكر الحق فيما ترجمنا عنه (ذلِكَ بِما عَصَوْا) في ردهم الآيات (وَكانُوا يَعْتَدُونَ) يتجاوزون الحق الذي اتخذوه دينا ، ما وقفوا عنده ، بل تعدوه وجاوزوه بالمخالفة في قتلهم الأنبياء (٦٣) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) الآية ، يقول : إن الذين آمنوا أي أقروا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم ، فيكون على هذا من آمن منهم بالله يعود الضمير عليهم ، وعلى الذين هادوا والنصارى والصابئين مخلصا من قلبه ، وقد يريد (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) خالصا من قلبه (وَالَّذِينَ هادُوا) يعني اليهود ، يقال هاد يهود وتهّود إذا دخل في دين اليهودية (وَالنَّصارى) جمع نصران (وَالصَّابِئِينَ)