(فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٦٧)
المناسبة بين البقر والإنسان قوية عظيمة السلطان ، وكما أن البقر برزخ بين الإبل والغنم
____________________________________
والتهديد لمن ترك العمل بما فيه ، فيكون وقوفكم عليه وقراءتكم له محرضا وتقوية على العمل به ، ويؤيد هذا قوله (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) ثم جاء بلفظة (اذْكُرُوا ما فِيهِ) مما تقدم من أخذ المواثيق في ذلكم عليكم ، ومما يتضمنه من نعم الله عليكم ، إذ أوجدكم واصطفاكم بما ذكره فيه زائدا على ما فيه مما شرع لكم (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) يقول لهم الرسول بأمر الله (لَعَلَّكُمْ) فيكون الترجي من الرسول أن تتقوا أو منهم أن يكونوا من المتقين ، وقد ذكرنا تفسير (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) والمتقي من هو في أول السورة ، ثم قال تعالى (٦٥) (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي أعرضتم لما رفعنا عنكم ما ظننتم أنه واقع بكم ، وهو الجبل وإليه الإشارة «بذلك» وهو قوله تعالى (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بكم حيث لم يعاقبكم بسقوط الجبل عليكم فتموتون ناكثين ، فتكونون من الذين لم تربح تجارته وكنتم خاسرين (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) قال لهم ذلك ليرجعوا عن توليهم وإعراضهم ونكثهم ، فإن احتجوا بالفاء في قوله (فَلَوْ لا) أنها للتعقيب ، قلنا : كذا وردت ، فإنه سبحانه لما رفع الجبل على رؤوسهم ، لولا فضله ورحمته أسقطه عليهم ، ولم ينتظر بهم أن يأخذوا الكتاب ، لا أنهم بعد التولي الثاني تفضل عليهم بالتوبة ، ثم قال تعالى (٦٦) (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ) خطابا لبني إسرائيل (الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ) بعّضهم ، أي جاوزوا ما حد لهم أن يفعلوه ويتركوه (فِي) يوم (السَّبْتِ) من ترك الصيد فيه والمثابرة على طاعته ، وهم الذين تولوا ونكثوا ، وما ذكر أنه تاب عليهم ، ثم قال (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا) هو قوله (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وقال عليهالسلام وهو في غزوة تبوك وقد أبصر شخصا مقبلا على بعد وهو في أصحابه : كن أباذر ، فكان أبوذر ، فكان ، والكون حرف وجودي عند الجماعة ، وعندنا حرف ثبوتي ، فإنه يتوجه على الإيجاد والإعدام ، والعدم يثبت للمعدوم ولا يكون له ، وهذه مسئلة عظيمة القدر ، فإنه ليس في قوتهم أن يكوّنوا أنفسهم (قِرَدَةً) وإنما الله يكونهم أي يقلب صورهم قردة ، والحقائق لا تتبدل ، فمن المخاطب بأن يرجع قردا؟ فقد يصح هنا قول من يقول إن الجواهر متماثلة والصور أعراض فيها ، فسلخ الله