(وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) وهبوط القلوب المشبهة بالحجارة في هبوطها هو نزولها من عزتها إلى عبوديتها ، ونظرها في عجزها وقصورها بالأصالة ، فالخشية من خصائص العلماء بالله.
(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٥)
هذه الآية تدل على أن التوراة ما تغيرت في نفسها ، وإنما كتابة اليهود إياها وتلفظهم بها لحقه التغيير ، فنسب ذلك إلى كلام الله فقال : (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أن كلام الله معقول عندهم ، وأبدوا في الترجمة عنه خلاف ما هو في صدورهم عندهم وفي مصحفهم المنزل عليهم ، فإنهم ما حرفوا إلا عند نسخهم من الأصل ، وأبقوا
____________________________________
مع كثرة الآيات والنعم تكثر منهم المخالفات وسوء الأدب مع الله ، فعقوبة القاتل إخراج مكتومه بإحياء الميت ، وعقوبة قومه على قولهم (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) لمثل موسى عليهالسلام ما ابتلوا به من السؤال عن البقرة حتى رزئوا في أموالهم بما وزنوه من ثمنها ، وأما قوله (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ) وكل ما يقع منها مما ذكره (مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) أي من رجائهم وخوفهم ، لأن الخشية تتضمن الرجاء والخوف ، فأما وصفها بتفجير الأنهار فهو كثرة بكائها ، والماء الخارج من التشقق للبكاء الذي لم يبلغ في الكثرة مبلغ الأنهار ، ومنها بكاء فرح وبكاء حزن ، فبكاء الحزن من خوف التفريط فيما كلفته من التسبيح ، كالمياه الكبريتية الحارة المالحة ، وبكاء الفرح والسرور بما وفقت له من ذكر الله كالمياه الباردة العذبة ، وما بينهما من أصناف المياه كما بينهن من الأحوال في امتزاجاتها ، من خلط الحزن بالسرور والفرح على حسب ما يغلب عليها ، والمياه شبيه الدموع ، وذكر ما هبط منها في مقابلة ما تكبروا به على أمر الله ، ثم هددهم وأوعدهم مجملا فقال (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) بالتاء والياء على الغيبة والحضور ، فالحضور له سبحانه ، والغيبة خطاب لموسى ولمن عرفهم بذلك ، ثم قال لمحمد عليهالسلام وأمته (٧٦) (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) الآية ، هذه مسئلة مشكلة وليس لها مخرج إلا ما روي عن عيسى عليهالسلام لما لقيه إبليس وكان غرضه أن يطيعه ولو في الدلالة على الخير ، فقال له (يا عيسى قل لا إله إلا الله) فقال عيسى عليهالسلام (أقولها لا لقولك لا إله