(وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) أي في غلاف ، وهو الكن الذي ستره عن إدراك الأمر على ما هو عليه.
(وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (٨٩)
يعني بذلك كل كافر به في كل زمان ، حتى يبقى العموم في الضمير على أصله ، كما قال تعالى : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) صفة لمحذوف فيكونون أولا في أهل زمانهم في الكفر به فقوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) وإن كان له وجود قبل مجيئه إليهم فيعم كل من كفر به في كل زمان.
____________________________________
قُلُوبُنا غُلْفٌ) قالوا قلوبنا غلف أي هي في غلاف ، مثل قولهم (فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) ففي هذا الكلام رائحة من الرجوع إلى القضاء والقدر ، أي لو أراد الله أن نتبعك لأزال هذا الغلاف عن قلوبنا فأبصرت نور النبوة ، فأضرب الله عن قولهم فقال (بَلْ) حرف إضراب (لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) باء السبب ، فأوقع اللعنة عليهم لأنهم كفروا ، أي ستروا الحق الذي يعلمونه من نبوة محمد ، ويحتمل أن يكون قولهم (قُلُوبُنا غُلْفٌ) أي هي نفس الغلاف لما تحوي عليه من العلوم ، فلو كنت نبيا لكان في قلوبنا العلم بك ، فأخبر تعالى أن الكفر في قلوبهم بنبوته فلعنهم الله لذلك ، وصدقهم في قولهم إن قلوبنا غلف ولكن للكفر (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) فمنهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ، ولتكذيبهم أيضا وجه في قولهم (قُلُوبُنا غُلْفٌ) (وفي أكنة مما تدعونا إليه) فإنه مما يدعوهم إليه الإيمان بالله وقد فطروا عليه ، إذ كل مولود يولد على الفطرة ، فبطل أن تكون قلوبهم في غلاف وكن من الإيمان بالله ، ولهذا جعلنا ذلك الإيمان بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ثم قال (٩٠) (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) يعني القرآن و (مِنْ عِنْدِ اللهِ) في موضع الصفة للكتاب (مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) أي لما في الكتاب الذي معهم وهو التوراة والإنجيل (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ) أن يأتيهم محمد بالقرآن يؤمنون به من كتابهم ، وإذا اجتمعوا بالكفار في قتال (يَسْتَفْتِحُونَ) أي يستنصرون الله (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) به ، فيقولون : اللهم بحق هذا النبي الذي يأتي ووصفته لنا في كتابنا فانصرنا عليهم ، وهذا معنى قوله (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا)(فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا) الذي كانوا يستنصرون به ، وهو قوله (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) (كَفَرُوا بِهِ)