(ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (١٠٥)
(وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) جاء تعالى بلفظة من وهي نكرة فدخل تحتها كل شيء ، لأن كل شيء حي ناطق فيدخل تحت قوله من ، لأن بعض النحاة يعتقدون أن لفظة من لا تقع إلا على من يعقل ، وكل شيء يسبح بحمد الله ولا يسبح إلا من يعقل من يسبحه ، ويثني عليه بما يستحقه ، فمن تقع على كل شيء إذ كل شيء يعقل عن الله سبحانه ، والله تعالى ما عرفنا أنه اختص بنقمته من يشاء كما أخبرنا أنه يختص برحمته من يشاء وبفضله ، فإن أهل النار معذبون بأعمالهم لا غير ، وأهل الجنة ينعمون بأعمالهم وبغير أعمالهم في جنات الاختصاص ، فلأهل السعادة ثلاث جنات : جنة أعمال وجنة اختصاص وجنة ميراث ، فينزل أهل الجنة في الجنة على قدر أعمالهم ، ولهم جنات الميراث وهي التي كانت لأهل النار لو دخلوا الجنة ، ولهم جنات الاختصاص فالحكم لله العلي الكبير ، فإن الاختصاص الإلهي لا يقبل التحجير ولا الموازنة ولا العمل ، وإن ذلك من فضل الله ، يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
____________________________________
«راعنا» بالتنوين في الشاذ ، فهو من الرعن ، وهو الهوج ، أي لا تقولوا قولا راعنا ، ومنه الرعونه ، وقد روى أن سعد بن عبادة من الأنصار لما قالت اليهود لمحمد صلىاللهعليهوسلم راعنا حين سمعوا المؤمنين يخاطبون محمدا صلىاللهعليهوسلم بذلك ، قال : لئن قالها رجل منكم للنبي لأضربن عنقه ، فإنه كان عارفا بما تواطؤوا عليه في كلامهم ، إذ كانوا حلفاء لهم ، وقيل بل كان سعد بن معاذ ، ثم قال (١٠٦) (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) دخل في ذلك المنافق والذي لم ينافق (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) عطف على أهل الكتاب ، وحذف من لدلالة الأول عليه (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) حسدا من عندهم حيث لم يكن لهم ذلك الخير (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) في هذا تنبيه على رد من يقول إن النبوة مكتسبة ، فأخبر الله أنها اختصاص ، وكنّى عنها بالرحمة لكونه رحم بها نبيه عليهالسلام ، ورحم بها من بعث إليه من الأمة ، حتى سلكوا به طريق هداهم ، ثم قال (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) أي مزيد الخير الذي يعظم وروده وفدره في قلوب العلماء بالله ،