(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٠٤)
تختلف الأحكام باختلاف الألفاظ التي وقع عليها التواطؤ بين المخاطبين ، وإن كان المعنى واحدا فالمصرف ليس بواحد.
____________________________________
يَعْلَمُونَ) بعد هذا فيما يظهر ، فقوله (وَلَقَدْ عَلِمُوا) يعود الضمير على من سأل الملكين فقالا له لا تكفر (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) فإن من كفر لا خلاق له في الآخرة ، فكأنهم قالوا نحن نتعلم منهم ذلك ولا نعمل به ، فإن العلم بالشيء يورث التوقي مما فيه من الضرر لمن جهله ، فلما علموه قامت لهم الأغراض وطلب الرئاسة وتحصيل ما يشتهون بهذا العلم فعملوا به ، فكفروا ، فهو قوله (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ) أي باعوا به (أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أن ذلك يقودهم إلى العمل لما في طيه مما في عمله من تقدمهم على أبناء جنسهم ، والافتقار إليهم في آثار ذلك ونيل أغراضهم ، فهذا هو الذي جهلوه ، والذي علموا هنالك لم يكن هذا الذي جهلوه ، وقد بان المقصود من الآية على غاية الاختصار ونزهنا الملائكة فإن الله قد أثنى عليهم ، وما بلغنا قط عن الله تعالى أنه جرح أحدا من الملائكة ، ثم قال (١٠٤) (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا) قد يعود الضمير في آمنوا على الذين سألوا الملكين وما سمعوا منهم ، ولا اتقوا الله حين قالوا لمن سألهم لا تكفر باتباع الشياطين لأنهم خلطوا الحق بالباطل ، فقال الله فيهم (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا) أي صدقوا الملكين (وَاتَّقَوْا) واتخذوا ما قالاه لهم وقاية (لَمَثُوبَةٌ) لحصلت لهم من ذلك مثوبة من الله وخير (مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) وقد يحتمل أن يعود الضمير على اليهود في الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، ثم قال (١٠٥) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا) هذا خطاب للمؤمنين ، فإن اليهود كانت تقول هذه الكلمة بلسانها على طريق السب ، فلما سمع اليهود يخاطب بها المؤمنون رسول الله صلىاللهعليهوسلم فرحوا بذلك ، ليقولوها كما يقولها المؤمنون على المعنى الذي تريده اليهود من السب ، وسيأتي شرحها في سورة النساء إن شاء الله ، فنهى المؤمنين عن أن يخاطبوا بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومعناها اسمع منا يا رسول الله غرضا لحفظهم ما خاطبهم به ، فقال لهم (وَقُولُوا انْظُرْنا) أي انتظرنا حتى نحفظ ما خاطبتنا به من كلام الله ، يقول الله للمؤمنين (قُولُوا انْظُرْنا)(وَاسْمَعُوا) ما تؤمرون به (وَلِلْكافِرِينَ) يعني الذين يقولون راعنا على غير المعنى الذي قاله المؤمنون (عَذابٌ أَلِيمٌ) موجع من الألم ، وهو الوجع ، ويقال بالسريانية والعبرانية (راعينا) بالياء والنون ، وأما من قرأ