وانتظام الشمل. ولما علم سبحانه أن الافتراق لا بد منه لكل مجموع مؤلف لحقيقة خفيت عن أكثر الناس شرع الطلاق رحمة بعباده ليكونوا مأجورين في أفعالهم غير مذمومين إرغاما للشياطين ، ومع هذا فقد ورد في الخبر النبوي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : ما خلق الله حلالا أبغض إليه من الطلاق ، (وَما هُمْ) أي السحرة (بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) فإنه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه سبحانه.
____________________________________
محمدا صلىاللهعليهوسلم (مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) أي لما بأيديهم من التوراة (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعني اليهود (كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) قد يريد بالكتاب المنبوذ هنا التوراة والقرآن ، وقد يريد أحدهما ، وهو كناية عن ترك العمل به حيث ألقوه خلف ظهورهم (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) شبههم بالمقلدة في فعلهم ، وقد يحتمل أن يكون المعنى ، كأنهم لا يعلمون ، تقريرا لعلمهم بذلك ولكنهم نقضوا عهد الله وفسقوا ، يقول نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم فلم يعملوا به (١٠٣) (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) من السحر والشعوذة (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) على عهد سليمان ، أي في زمن ملكه (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) أي لم يكن علمه سحرا ولا شعوذة ، بل علمه حق من عند الله (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) بما دونوه من علم السحر وخلطوه بما أنزل على الملكين هاروت وماروت من الحق ، والشياطين (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) الأمرين معا ممزوجا (بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) فإذا أتى السائل إلى الملكين ليعلماه ، يقولان له (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) أي إنما نزلنا للتعليم اختبارا ، فإن الشياطين يعلمون الناس السحر ممزوجا بما أنزل علينا (فَلا تَكْفُرْ) أي لا تأخذ من الشياطين فإنك لا تفرق بين الحق من ذلك والباطل ، ثم قال (فَيَتَعَلَّمُونَ) يعني الناس (مِنْهُما) أي من العلمين ، علم السحر والعلم الذي أنزل على الملكين (ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ) الرجل (وَزَوْجِهِ) أي امرأته ، وإنما قبله منهم المتعلم لأمرين : الواحد لامتزاجه بالحق الذي أنزل على الملكين ، فإن الشياطين تتصور في صور علمائهم وتقول لهم : هذا هو الذي أنزل على الملكين ، فيصدقونهم ، فيلقون إليهم ما يضرهم ولا ينفعهم من علم السحر ، وأما من اقتصر على الملكين ولم يتعداهما فما علّم إلا حقا منزلا من عند الله ، وما نزل من عند الله لا يكون كفرا وضلالا ، وهو قوله (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) وكل لفظة كفر في هذه القصة قد يكون ضد الإيمان ، وقد يكون بمعنى ستر الحق ، فإن الكفر الستر في اللغة ، وكلا الوجهين في الترجمة عن ذلك صالح ، ثم قال (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ) يناقض قوله (لَوْ كانُوا